اسرائيل اليوم


كيف تحولت تركيا واسرائيل عن كونهما شريكتين استراتيجيتين وحليفتين من الطراز الاول الى عدوتين شديدتين في ازمة شديدة؟ يكمن أحد الاجوبة في السياسة الخارجية التي تبنتها تركيا مؤخرا في ظل حكم حزب العدالة والتنمية. فقد خط مهندس السياسة الخارجية وزير الخارجية احمد داود اوغلو، سياسة تتميز بطلب صارم من الولايات المتحدة واوروبا ودول الشرق الاوسط ومنها اسرائيل، أن تعترف بقدرة تركيا على لعب دور مركزي في الدبلوماسية والاقتصاد الاقليميين والدوليين. والى ذلك تتميز هذه السياسة ايضا بعنصر عقائدي وتعزيز الحضارة الاسلامية وتعزيز مكانة تركيا فيها.
يعتقد اوغلو انه يمكن تحقيق هذه الرؤيا بانشاء نظام جديد في الشرق الاوسط يقوم على تآلف اقتصادي واستقرار سياسي. ويسعى الوزير ورئيس الحكومة اردوغان الى احراز عمق استراتيجي أو توسيع مناطق التأثير لجعل تركيا محورا مركزيا ونقطة لقاء حيوية بين اوروبا والشرق الاوسط والقفقاس. وهناك مبدأ بارز آخر للسياسة الخارجية هو 'صفر مشكلات' مع الجيران، بمعنى حل الاختلافات وتشجيع الاستقرار قرب تركيا للتحرر من التصور الدفاعي القديم.
ولهذا وبخلاف الماضي انشأت تركيا علاقات أكثر سخونة مع دول في الشرق الاوسط في نطاق سياسة 'صفر المشكلات' وقصد أن تلعب دورا أكثر هيمنة في السياسة الاقليمية، مع سورية وايران مثلا. وقد خفضت مستوى علاقتها مع اسرائيل لتُبين للعالم الاسلامي أنها أكثر حيادا. وبدأت الى ذلك تلعب دورا نشيطا بقضايا كثيرة في الشرق الاوسط كالتفاوض في مستقبل العراق، ومحاولات وساطة بين ايران والولايات المتحدة في الموضوع الايراني الذري، ووساطة في مسيرة السلام بين اسرائيل وسورية، ووساطة بين التيارات الفلسطينية وتجديد مسيرة السلام الاسرائيلية الفلسطينية.
الصراع الاسرائيلي الفلسطيني في نظر الاتراك هو الخطر الأكبر على استقرار الشرق الاوسط، ومن هنا يأتي الجهد الكبير الذي يبذلونه لحله أو ايصاله الى وضع الهدوء. وتعتقد تركيا انه تنبغي محادثة كل واحد لاحراز أكبر قدر من التعاون، ومن جملة ذلك حماس التي تعارض التسوية ولا تعترف باسرائيل. ومن جهة اخرى يكمن في السياسة الخارجية التركية أخطار كالاحتكاك بين تركيا ودول ذات أهمية في نظرها، في حال اخفاق سياسة الوساطة أو عدم احراز شق طريق. وهذا ما كان حينما شعرت تركيا بأن عمليات اسرائيل في غزة تضر بجهود وساطتها. وليس صدفة أن ساءت العلاقات بين الدولتين منذ 2005 وكان ذلك بدء تصعيد المواجهة بين اسرائيل وحماس في غزة.
مع ذلك، يوجد مكان للتفاؤل لتحسين العلاقات أو عدم قطعها حتى لو كنا نشهد تصعيدا آخر في الايام الاخيرة. يجب على تركيا واسرائيل أن تتعاونا على مواجهة الأحداث في المنطقة وعلى رأسها تضعضع السلطة في سورية. ومع افتراض أن يسقط نظام الاسد فان للطرفين مصلحة في انهاء التأثير الايراني في سورية، ومن المعقول ايضا أن نفترض أن تظل الولايات المتحدة تلقي بكامل ثقلها للحث على مصالحة بين حليفتيها الرئيستين في المنطقة. ينبغي أن نأمل أن توجد الصيغة التي تُمكّن الطرفين من الخروج وقد تحققت رغباتهما حتى وإن كان يبدو أنهما تسلقتا شجرة عالية جدا في هذه المرحلة.