أحمد أميري
قذف كاتب وباحث خليجي الحكومات الغربية بالبيض الفاسد احتجاجاً على مصادرة ثروة بعض رموز النظام السوري، متسائلاً إن كانت المصادرة ستوقظ القتلى من القبور أو تطلق سراح المعتقلين، ومنتقداً في السياق نفسه موقف الغرب من القذافي، لأنهم نافقوه طويلاً وبشكل مبتذل، رغم أنهم لم يكونوا غافلين عن سوءاته، quot;لكنهم استقبلوه بلهفة دولاراته النفطية المغموسة بدم الشعب الليبيquot;.
ويرى الكاتب أن الغرب كشف عن تدنِّ أخلاقي سياسي، ونافق الديكتاتوريات، وصمّ أصحاب العقول ومراكز البحث في الغرب عن محاسبة أنظمتهم، مطالباً الغرب quot;الذي يدّعي الحضارة، أن يفعل أكثر من المصادرةquot;، من خلال قرارات دولية تُجرّم قتل المسالمين، والتدخّل لإنقاذ الناس من القتل العشوائي، وإقامة محكمة على شاكلة محاكم quot;نورنبرغquot;.
ولو كان على الغرب أن يقيم محاكم للأنظمة الديكتاتورية، وأن يقطع صلاته بكل الأنظمة المغموسة يديها بدماء شعوبها، لربما اكتظت قاعات تلك المحاكم بنصف حكّام الأرض. وكيف كان بإمكان الغرب أن يتدخّل ضد طغاة العرب بينما الشعوب العربية تعتقد أن كل شيء من حولها مؤامرة غربية؟ وكيف تتدخّل لإنقاذ شعوب لا ترفع يد النجدة ولا تصرخ ولا تفعل شيئاً سوى تلقي الصفعات؟
ويبدو أن الكاتب يخلط في دعوته إلى التدخّل الدولي (الغربي بطبيعة الحال) لإنقاذ الناس (العرب) من القتل العشوائي بين عهدين مختلفين تماماً، ما قبل الربيع العربي وما بعده، فإلى ما قبل إحراق quot;البوعزيزيquot; نفسه كان الغرب هو الاسم المخفّف للشيطان في نظرنا، فهو المستعمر والصليبي والإمبريالي، وكنّا كعرب نعتبر التدخّل الأجنبي استعماراً، ومن يطالب به خائناً، فقد كنا ضحايا تعريف محرّف للوطنية وللسيادة وللقومية وللمقاومة وللممانعة، وكان العرب يحرقون أعلام الدول التي تتدخّل في شؤونهم، واليوم، يحرقون أعلام الدول التي لا تتدخّل، كما فعل السوريون مع العلمين الروسي والصيني.
وهبْ أن الغرب أعلن قبل يوم واحد من إحراق quot;البوعزيزيquot; نفسه أنه سيتدخّل لإنقاذ الشعب الليبي أو السوري أو اليمني أو المصري أو التونسي، فهل كان العرب مهيئين لاستقبال يد المساعدة تلك أم كانوا سيقطعونها ويسحلونها في الشوارع؟
وقد تدخّل هذا الغرب في العراق وأزاح طاغيته، فماذا كانت ردّة فعلنا كشعوب ومثقفين ومحامين ورجال دين تباكوا على صدام واحتسبوه شهيداً؟ وتدخّل هذا الغرب في مأساة دارفور وفي ملاحقة بعض المسؤولين عن الجرائم المنسوبة إليهم، فماذا فعل العرب؟ خرجوا في مظاهرات يسخرون فيها من الفضائح الجنسية لأوكامبو، مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية. وتدخّل الغرب في مقتل الحريري، وإلى يومنا هذا يشكّك نصف العرب في نزاهة المحكمة المقامة لمحاكمة قتلته، والنصف الآخر غير المشكّك، فلأنه من الأساس يصطفّ في جهة المجني عليه، أي ليس إيماناً منه بنزاهة المحكمة.
ولا يزال إلى يومنا هذا غالبية شخصيات المعارضة السورية ترفض التدخّل الدولي، وبعضهم يختم رفضه بالتنديد المعتاد. وها هو أردوغان يصطدم بجدار الوطنية الذي أقامته التيارات الإسلامية في مصر، فبعد أن استقبلوه بحفاوة وسط هتافات إقامة الخلافة، انفضوا من حوله بعد أن نصحهم بصياغة دستور يقوم على مبادئ العلمانية، وهاجموه وقالوا إنه لا يحق له أو لغيره التدخّل في شؤون دولة أخرى.
فإذا كان هذا الكلام يُقال لأرودغان، الإسلامي الناصح، فماذا كان يمكن أن يقال للحكومات الغربية التي يدينها الكاتب لأنها لم تكن تتدخّل ضد الأنظمة العربية التي تمارس القتل العشوائي؟
التعليقات