يوسف البنخليل

كما تحدثنا على مدى شهرين من الزمن حول السياسة الأمريكية تجاه المنامة،‮ ‬والمصالح المتداخلة بين واشنطن وأنصار ولاية الفقيه‮ (‬حزب الله‮) ‬في‮ ‬البحرين‮. ‬توقفت فترة عن الحديث عن هذه العلاقة الشائكة انتظاراً‮ ‬لتحولات رئيسة في‮ ‬الموقف الأمريكي،‮ ‬وانتظاراً‮ ‬لتأثير المتغيّرات الإقليمية من تطورات الأوضاع في‮ ‬مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا وتأثيرها على العلاقات البحرينية ـ الأمريكية‮. ‬ ولكن من الواضح أن انتظاري‮ ‬كان دون جدوى،‮ ‬ولا معنى له،‮ ‬فالسياسة الأمريكية أصبح من ثوابتها النظر إلى زاوية واحدة في‮ ‬المجتمع البحريني‮ ‬لدرجة أن واشنطن على استعداد تام للتضحية بكافة مكونات المجتمع في‮ ‬سبيل تحقيق مصالحها من خلال طرف واحد معيّن وهو جمعية الوفاق‮. ‬ ندرك جيداً‮ ‬المصالح الاستراتيجية الأمريكية في‮ ‬المنامة والخليج عموماً،‮ ‬ولكننا مازلنا لا ندرك حرص البيت الأبيض على أن المشكلة في‮ ‬البحرين هي‮ ‬مشكلة بين الوفاق والحكم،‮ ‬وليست مشكلة بين الشعب والشعب،‮ ‬وبقية فئات الشعب ليست لديها مطالب،‮ ‬وليس مهماً‮ ‬رأيها،‮ ‬ومصالحها ليست ذات أهمية‮. ‬ باختصار الرئيس الأمريكي‮ ‬باراك أوباما اختصر في‮ ‬كلمته خلال افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة الموقف الأمريكي‮ ‬بأنه‮ ‬يؤيد التحالف مع البحرين،‮ ‬ولكنه‮ ‬يرغب في‮ ‬التغيير ويدعم التغيير الذي‮ ‬تطالب به الوفاق،‮ ‬وإلا كيف‮ ‬يمكن تفسير ما جاء في‮ ‬الكلمة‮ (‬البحرين اتخذت خطوات في‮ ‬اتجاه الإصلاح والمسائلة،‮ ‬ولكن المطلوب أكثر من ذلك‮). ‬أعتقد أن لب الموقف الأمريكي‮ ‬يتمثل في‮ (‬المطلوب أكثر من ذلك)؟‮ ‬ هل المطلوب الآن؛ رحيل العائلة المالكة حتى تحكم البحرين الوفاق؟ هل المطلوب الآن؛ رحيل الطائفة السنية لتكون البحرين حكراً‮ ‬على الوفاق فقط وأنصارها المؤيدين لولاية الفقيه؟ هل المطلوب الآن؛ السماح بتطبيق مرئيات الوفاق في‮ ‬الإصلاح السياسي،‮ ‬وتجاهل مواقف أكثر من‮ ‬300‮ ‬شخصية تمثل مختلف مكونات المجتمع في‮ ‬حوار التوافق الوطني؟ هل المطلوب الآن؛ تغيير نظام الحكم في‮ ‬البحرين باسم الإصلاح السياسي‮ ‬من أجل تغيير النظام لاحقاً‮ ‬في‮ ‬الرياض باسم الإصلاح السياسي‮ ‬أيضاً؟ هل المطلوب الآن؛ دعوة الولي‮ ‬الفقيه خامنئي‮ ‬لإعلان البحرين محافظة إيرانية جديدة؟‮ ‬ هل المطلوب الآن؛ تطبيق النموذج السياسي‮ ‬في‮ ‬العراق بالبحرين خصوصاً‮ ‬وأن السفير الأمريكي‮ ‬المعيّن في‮ ‬المنامة‮ ‬يعد مهندس هذا النموذج؟ الأسئلة كثيرة،‮ ‬ويمكن طرح الكثير منها،‮ ‬ولكن‮ ‬يهمنا‮ ‬بيان مدى اهتمام الرئيس الأمريكي‮ ‬شخصياً‮ ‬بدعم الوفاق لدرجة اقتصار الإصلاح السياسي‮ ‬في‮ ‬المخرجات التي‮ ‬يمكن أن تسفر عن‮ ''‬حوار جاد‮'' ‬بين الوفاق والحكم فقط‮. ‬أي‮ ‬أن أطروحات الوفاق بشأن التغيير السياسي‮ ''‬السلمي‮'' ‬هي‮ ‬التي‮ ‬ستحظى بالدعم الأمريكي،‮ ‬وما ستطرحه الوفاق سلمياً،‮ ‬فإن الموقف الأمريكي‮ ‬له داعم‮. ‬تجاوزنا مرحلة التحليل والوصف،‮ ‬وأصبحت العملية واضحة جداً،‮ ‬فالقيادة الأمريكية،‮ ‬ترى أن المشكلة بين الوفاق والحكم فقط،‮ ‬ولا تنظر إلى الأبعاد الأخرى من الأزمة البحرينية‮. ‬ تزامن مع خطاب أوباما في‮ ‬الأمم المتحدة تصريح جديد مثير للسفير الأمريكي‮ ‬المعيّن في‮ ‬المنامة توماس كراجسكي‮ ‬خلال جلسة الاستماع التي‮ ‬أقيمت أمام لجنة الشؤون الخارجية في‮ ‬الكونغرس بهدف تثبيت تعيينه‮. ‬ كراجسكي‮ ‬الذي‮ ‬حذرنا من خطورة توليه هذا المنصب في‮ ‬المنامة،‮ ‬والخطوات التي‮ ‬يمكن أن تترتب عليه لاحقاً‮ ‬أفاد بأن‮ ''‬الاستقرار في‮ ‬البحرين على المدى الطويل،‮ ‬يتوقف على الاستجابة للمشاكل الداخلية،‮ ‬ليس عبر القمع،‮ ‬وإنما عبر إصلاحات حقيقية ومصالحة‮''.‬ لنربط خطاب أوباما وإفادة كراجسكي‮ ‬بمعادلتين بسيطتين كيف ستكون النتيجة‮: ‬ أوباما‮: ‬حوار بين الوفاق والحكم‮ + ‬استجابة لمطالب الوفاق‮ = ‬الاستقرار السياسي كراجسكي‮: ‬الاستجابة للمشاكل الداخلية‮ ‬‭-‬‮ ‬وقف القمع‮ = ‬الاستقرار السياسي من هاتين المعادلتين نجد أن المخرجات واحدة،‮ ‬وهي‮ ‬الاستقرار السياسي،‮ ‬والعوامل المشتركة التي‮ ‬تؤدي‮ ‬لها تقتصر الاستجابة لمطالب الوفاق‮. ‬وهو ما‮ ‬يعطينا دلالة أننا مقبلون على حالة من الضغوط الأمريكية الجديدة من أجل الاستجابة لمطالب الوفاق،‮ ‬ليس تحقيقاً‮ ‬للإصلاح ودعماً‮ ‬للديمقراطية،‮ ‬وإنما حماية لمصالح واشنطن التي‮ ‬ترى أن استمرار أعمال الإرهاب والعنف التي‮ ‬يقوم بها أنصار ولاية الفقيه حالياً‮ ‬من شأنها التأثير سلباً‮ ‬على المصالح الأمريكية في‮ ‬المنامة‮. ‬