عبدالله إسكندر


لنفترض افضل السيناريوات بالنسبة الى طلب الرئيس محمود عباس الى مجلس الامن للحصول على الاعتراف بالدولة الفلسطينية. يقر المجلس في جلسته اليوم احالة الطلب على لجنة درس الطلبات، وهي في الوقت نفسه الاعضاء الـ 15. وتقر اللجنة الطلب وتحيله على المجلس للتصويت. وينال الطلب العدد الكافي من الاصوات (تسعة وما فوق). ليواجه الفيتو الاميركي المعلن، ويسقط الطلب.

وهنا يدخل العقل التبسيطي ليقول ما النفع، اذاً، من كل هذه الحركة ما دامت في النهاية ستفشل بفعل حق النقض الاميركي. ويضيف هذا التبسيط، والذي تمثله حركة laquo;حماسraquo; على الساحة الفلسطينية، ان كل ما يفعله عباس حركة مسرحية لا فائدة منها للقضية، ما دام الاسرائيليون، والاميركيون من ورائهم، يرفضون هذه الصيغة. ويحذر من ان الدولة تُنتزع من الاحتلال، ولا تُطلب من الامم المتحدة.

لقد فات هذا التبسيط ان ايداع طلب العضوية الكاملة في الامم المتحدة هو نتيجة لمسيرة الحركة الوطنية الحديثة منذ اندلاع العمل المسلح في 1965. وان الحركة الديبلوماسية الفلسطينية، منذ ذلك التاريخ، والمترافقة مع كفاح مسلح، نجح احياناً واخطأ احياناً اخرى، هي التي اعادت الى البحث ضرورة ايجاد حل للقضية الفلسطينية، سواء على الصعيد الاقليمي او الدولي. كما ان هذه الحركة، منذ مؤتمر مدريد في 1991، وشعاره الشهير الارض في مقابل السلام، بات حل الدولة الفلسطينية على جدول اعمال كل الانشغالات في القضايا الاقليمية. لا بل، ومنذ اجماع العرب على ان الارض في مقابل السلام، ارتبط مصير الدولة الفلسطينية بعملية السلام، بغض النظر عن الموقفين الاميركي والاسرائيلي من طبيعة هذا السلام. وإن كان افتراض التبرع الاميركي والاسرائيلي بهذه الدولة مجرد اوهام.

ففي الوقت الذي كان يقوض رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو عملية السلام بشكل منظم، في مسعى لتقويض الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة، كان نهج السلام الفلسطيني يستدرج التأييد والمساعدة من اجل تثبيت نواتات هذه الدولة على الارض. وجاء الوقت لقطاف هذا الحصاد عبر معركة ديبلوماسية كبيرة على مستوى الامم المتحدة. وهذا ما يحصل حالياً في اروقة البناء الازرق في نيويورك. اي إبقاء مطلب الدولة حياً ومحوراً لعملية السلام في المنطقة.

هذه المسيرة الوطنية الفلسطينية غيّبها الرد التبسيطي، والطفولي، لـ laquo;حماسraquo; على طلب الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية. ولتظهر الحركة الاسلامية خارج سياق هذه المسيرة في احسن الاحوال. ولتلتقي في شعار رفض طلب الاعتراف بالدولة مع الاحتلال والموقف الاميركي، بغض النظر عما تقول انه محاذير تتعلق بالاعتراف باسرائيل وحق العودة. علماً ان خطاب عباس شدد على حدود الدولة المطلوب الاعتراف بها وعلى قرارات الشرعية الدولية التي ينبغي ان تحكم الاعتراف بها.

اما انتزاع حق التحكم ببقعة من الارض، من دون اعتراف دولي، فمن الافضل العودة الى السوابق في هذا المجال. في هذا السياق، يشار الى تجربة laquo;دولةraquo; شمال قبرص التي لا تزال محمية تركية، بالضبط لأن انقرة لا تزال تفشل في اجتذاب اي اعتراف خارجي من اي نوع كان بالكيان القبرصي الشمالي. وعلى رغم طبيعة النزاع في الجزيرة، ومساعي توحيدها، لا يزال الشطر الجنوبي هو الدولة القبرصية، بالضبط لانه يحوز الاعتراف الدولي.

ثمة حالات اخرى في العالم، فرضت فيها مجموعة مسلحة قوانينها، مثل كارتيلات المخدرات في اميركا اللاتينية او مجموعات اصولية في آسيا. ولا نخال ان laquo;حماسraquo; ترغب في ان تبقي قطاع غزة في مثل هذا الوضع: قوة مسلحة تسيطر على بقعة من الارض فحسب. لأن مثل هذه السيطرة لا يمكن ان تُعتبر دولة في اي حال من الاحوال. او على الاقل لن تكون دولة وطنية.

في كل الاحوال، لقد فوتت laquo;حماسraquo; على نفسها فرصة ان تكون جزءاً من المشروع الوطني الفلسطيني، في تاريخيته، من خلال موقفها من معنى طلب الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية. فهل تستلحق نفسها في ملف المصالحة؟