ظافر محمد العجمي
عاد الرئيس علي عبدالله صالح من سفره يحمل كآبة المنظر وسوء المنقلب في الأهل، فذبح الجيش اليمني 40 متظاهرا في ساحة التغيير احتفالا بعودته، فأين نخبئ وجوهنا خجلا وقد عاد ممتطيا المبادرة الخليجية، عاد يناور من خلالها مرددا لا بد من صنعاء وإن طال السفر دون اعتبار لكونه مشروع حرب أهلية. لقد فتح الله على أهل الخليج رزقهم بالنفط وأنعم عليهم بالاستقرار والحكم الرشيد، فيما عاش بالقرب منهم أكبر تجمع للبؤس البشري؛ حيث لم تظلم بقعة في الجزيرة العربية طوال قرن كما ظلمت اليمن. وبغير النظرة الفاحصة لمكونات هذه المآسي يصعب إدراك أن كل حرب أهلية كانت تلد حربا أهلية أخرى. ولم تكن أسباب كل واحدة منها تخرج عن دفع الظلم والتمرد على حكومة أهدرت حقوق الشعب. وقد اعتبر اليمنيون ثورة 1962/1970م منعطفًا أخرج اليمن من العزلة التي فرضها حكم الأئمة على البلاد لعقود مظلمة. فقد انتهز العقيد عبدالله السلال وفاة الإمام أحمد 1962م وخلافة ابنه الإمام البدر له، فتحرك لانتزاع السلطة تحت تأثير مد الثورات في العالم الثالث، ودعم جمال عبدالناصر له؛ حيث اشتعلت حرب أهلية بينه وبين الموالين للملكية بدعم من السعودية، لتنتهي بسيطرة الجمهوريين على الحكم. ويحتل الزاوية الأكثر غبنا في الذاكرة الخليجية غياب الإحصاءات والكلفة البشرية للحروب الأهلية في اليمن، إلا أن خسائر مصر من القتلى في تلك الحرب كانت 15.194 مصرياً. وخسر الملكيون 40.000 من القتلى. دون أن نعرف عدد القتلى من الجنود الجمهوريين ومن المدنيين. وقد تركت تلك الحرب الأهلية أثرين على وجه اليمن ولم تتعاف منهما مطلقا؛ حيث أضعفت سيادة الدولة، وشرعت الأبواب للتدخل الخارجي، ثم كانت الوحدة اليمنية في 1990م، وبدل تحقيق الهدف النبيل منها، وسعت خريطة الخلافات وزادت عدد من لا يمكن التعايش بينهم؛ حيث جرت حرب صيف 1994م الأهلية بين حكومة صنعاء والحزب الاشتراكي في عدن من أجل الانفصال، وانتهت بانتصار صنعاء وبخسائر بشرية وصلت 931 قتيلا من الجنود والمدنيين و5.000 جريح، وهو ما اعتبره الجنوبيون بمثابة الاحتلال، وتكون نطفة حرب أهلية سميت بالحراك الجنوبي حين ولادتها 2007م وكانت حصيلة قتلى الحراك الجنوبي منذ بداية أعمال الحراك 150 قتيلاً، ونحو 500 جريحاً، إلا أن صوت مطالبة صالح بالتنحي قد غطى على صراخ ذلك الجنين، وقد تزامن مع صراخ جنين الجنوب صوت الحوثيين الذين حاربوا الحكومة 2004م، ثم توغلوا ناحية الحدود السعودية، ليتوقفوا بعد تكبدهم خسائر فادحة 2010م. وقد بغت خسائر الحوثيين فقط خمسة آلاف قتيل وجريح في غياب خسائر الطرف الآخر. ثم انطلقت ثورة التغيير السلمية في 3 فبراير واشتعلت جمعة الغضب 11 فبراير 2011م مطالبة علي صالح بالرحيل؛ حيث استغل صالح المبادرة الخليجية ليفر من مصير مبارك والقذافي وزين العابدين، وينجح في شق الشارع اليمني إلى صفين رغم وصول عدد الضحايا إلى ما يزيد على ثلاثة آلاف قتيل سيتضاعف عددهم بمتوالية هندسية لو تغير نهج حركة التغيير السلمي وتحولت إلى حرب أهلية.
لقد تعاملت دول الخليج مع الأزمات اليمنية ببدائية رغم أنها كانت تعي مدى خطورة الوضع في اليمن عليها، لكن قصر النظر الاستراتيجي جعلنا نصمم هياكل تعاون هشة مع صنعاء، فأغدقنا المساعدات على الطاغية بدل التنمية المستدامة وحرمنا أنفسنا من راحة البال باستقرار مخزن الذكريات الأليمة في جنوب غرب الجزيرة العربية، فانتشرت القلاقل والتمرد، والقاعدة، وصراع الملفات الإقليمية، وكنا في الخليج العربي نعرف دون تردد أننا نتحمل جزءا من ثمن الدم اليمني الذي أريق طوال تلك الصراعات، وها هي الحرب الأهلية تطل برأسها ملقية بمتاعها من الطائرة التي وصل بها صالح بعد سفره حاملا كآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل.
التعليقات