محمد نور الدين
في خضم انشغالات تركيا المفتوحة بالوضع في الشرق الأوسط، تبرز التطورات المتصلة بالمسألة الكردية في تركيا تحديداً .
فبعد انتهاء الانتخابات النيابية في 12 يونيو/ حزيران الماضي كان من المتوقع أن تتفرغ حكومة ldquo;حزب العدالة والتنميةrdquo; لمعالجة هذه المسألة ضمن معالجة معظم الثغرات في الوضع الداخلي التي كان وضع دستور جديد في أولويتها .
غير أن أنقرة استمرت في الاهتمام بالثورات العربية التي أضيف إليها مؤخراً التوتر التركي مع ldquo;إسرائيلrdquo;، والصراع على ثروات النفط والغاز الطبيعي مع قبرص اليونانية في ldquo;المياه الاقتصاديةrdquo; لجزيرة قبرص .
وإذا كان أردوغان قد قال إنه لا توجد في تركيا قضية كردية، كان بذلك يدفع الأمور في اتجاهات لا يمكن التنبوء بنهاياتها .
وقد حصل ما كان متوقعاً عندما بدأت حدة الصراع تزداد مع رفض نواب ldquo;حزب الديمقرطية والسلامrdquo; الكردي أداء اليمين في البرلمان حتى الآن، ما يبقي الصوت الكردي شاغراً في المجلس النيابي وما يعنيه ذلك من رجحان كفة الخيارات غير السلمية على غيرها من الخيارات .
وفي هذا الوقت كُشف عن اتصالات سرية مباشرة بين الدولة التركية وممثلي حزب العمال الكردستاني في أوروبا في النرويج . وهو ما طرح علامات استفهام عن توجهات الحكومة التركية التي تعدّ حزب العمال منظمة إرهابية . أيضاً في هذا الوقت تصاعدت وتيرة العمليات العسكرية لحزب العمال الكردستاني بحيث لا ينقضي يوم من دون عملية أو من دون قتلى في صفوف الجيش التركي .
تصارع تركيا على عدة جبهات من ليبيا إلى سوريا، ومن ldquo;إسرائيلrdquo; إلى قبرص واليونان، ولا تنتهي عند نصب الدرع الصاروخية على أراضيها مع امتعاض روسي وإيراني واضح .
لم يسبق أن عرفت تركيا هذه التحديات مجتمعة خصوصاً أن سياسة ldquo;تصفيرrdquo; المشكلات معها كانت قد أحرزت إنجازات كثيرة لكنها تحولت وانقلبت على نفسها لتعود تركيا مجدداً إلى المربع الأول الذي سبق وصول ldquo;حزب العدالة التنميةrdquo; في علاقاتها الإقليمية .
مع ذلك تبقى تركيا أمام المشكلة الأهم والأخطر، أي المشكلة الكردية التي قال عنها الرئيس التركي عبدالله غول إنه من دون حلّها لا يمكن لتركيا أن تعرف الاستقرار .
يرى العديد من المراقبين أن الاضطراب الإقليمي من عوامل تجدد البعد العنفي للمسألة الكردية في تركيا . ومع أن هذه المسألة لم تعد شأناً تركياً داخلياً بالكامل، غير أن عوامل تجدد شرارتها تبقى داخلية من ألفها إلى يائها .
وفي الواقع، أن الحكومة التركية أخطأت عندما لم تتحرك لمنع استمرار سجن بعض النواب الأكراد وغير الأكراد مع أنهم نجحوا في الانتخابات، بل إن ldquo;العدالة والتنميةrdquo; سارع إلى القبول بتعيين بعض مرشحيه نواباً بدلاً من المسجونين في عملية وصفت ب ldquo;السرقةrdquo; لنواب الأحزاب الأخرى .
ومن أخطاء الحكومة التركية أنه بدلاً من مواجهة مطالب الشعب الكردي المرفوعة، ومنها حقوق ثقافية بديهية مثل التعلم باللغة الأم، بادرت الحكومة إلى إطلاق حملة اعتقالات واسعة في صفوف الناشطين الأكراد وصلت إلى مئات المعتقلين يضافون إلى معتقلين سابقين .
كما بادرت أنقرة إلى القيام بعمليات قصف جوي للقواعد الكردية في شمال العراق، وهي تستعد للقيام باجتياح بري على ما يرد في تصريحات المسؤولين الأتراك .
وفي هذا تسقط تركيا في الحفرة نفسها التي تتهم غيرها من أنظمة عربية في السقوط فيها، وتجاهل مطالب الشعب وقمعها دموياً .
فالخيار العسكري الذي تواصل الحكومة التركية انتهاجه بغياب أي مبادرة سلمية لتحقيق المطالب الكردية، وهي مطالب فئة كبيرة لها خصوصيتها وتقارب ال 15 مليوناً، لا يمكن أن يوصل إلى أي مكان في زمن يقول رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان نفسه إن شرق أوسط جديداً يولد قوامه إرادة الشعوب .
وتركيا لا يمكن أن تكون بمنأى عن تأثيرات ldquo;الربيع العربيrdquo;، لكن الخطر أن يتعدى ldquo;الربيع الكرديrdquo; شقيقه العربي ليمس بالوحدة الجغرافية لجمهورية لم تعرف استقراراً حقيقياً منذ تأسيسها في عام 1923 .
التعليقات