المطلوب نظام عربي ربيعي!

عرفان نظام الدين
الحياة اللندنية
التسونامي الذي ضرب بعض الدول العربية أخذ في طريقه ما كان يسمى النظام العربي البالي ومعه جامعة الدول العربية التي لم تجمع أحداً ولم تحمل من مهماتها ومسؤولياتها سوى الاسم الموعود والمبنى الجميل على laquo;شط النيلraquo; وخيبات الأمل المتكررة والوعود التي بقيت حبراً على ورق والقرارات التي علاها الغبار ودفنت في أدراج المكاتب المتعفنة ورفوفها.
اليوم وقد انقلب السحر على الساحر وقامت ثورات الربيع العربي لتنسف أسس ما كان يقال إنه من المسلّمات، وفي بعض الأحيان ما كان يعتبر من المقدسات وقضت على رموز كان يعتقد أنها لا يمكن أن تمس في دول الجامعة، صار لزاماً على العرب أن يبحثوا لهم عن نظام عربي جديد لأن laquo;ما فات ماتraquo;، وما كان يشبّه لنا بأنه نظام عربي كان مجرد وهم وسراب، ليس من باب الترف بل من متطلبات الواقع وضرورات المصالح العربية ومسلّمات التحرك للدفاع عن النفس والصمود في معركة البقاء في ظل صراع دولي طاحن ومطامع لا تعد ولا تحصى وصراع إقليمي حار من أجل تكريس النفوذ وتحقيق التمدد وتأمين الهيمنة على مصير المنطقة بأسرها، من دون أن نغفل المؤامرات والمطامع الصهيونية المتواصلة الرامية إلى تفتيت الدول العربية وإثارة الفتن العرقية والطائفية والمذهبية وصولاً إلى إقامة دويلات وكانتونات هزيلة تكون فيها لإسرائيل اليد العليا وسلطة الأمر والنهي والقرار.
هذه الدعوة للسعي إلى بناء نظام عربي ربيعي جديد لا يجوز أن تقتصر على دول الربيع العربي أو أن تكون حصرية لأنظمة معينة، لأننا نكون قد ساهمنا في تكريس الشرخ وتقسيم المقسم أصلاً، بل هي تشمل دول الصيف ودول الخريف ودول الشتاء وتطاول فوائدها كل إنسان ومواطن في المنطقة من المحيط إلى الخليج، بما في ذلك المكونات الأساسية من عرب وأكراد وبربر وقوميات أخرى ومن مسلمين ومسيحيين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم ومشاربهم واتجاهاتهم.
وتمشياً مع المبدأ الأساس لمعالجة أي علة أو داء، يجب أولاً الاعتراف بالأمر والإقرار بالبحث عن العلاج مهما كان طعمه مراً أو مضاعفاته مؤلمة، ومن ثم اعتماد مبدأ laquo;إبدأ بنفسك أولاًraquo;. فما جرى خلال أشهر قليلة كان زلزالاً هز الأركان والمسلّمات والأسس وبركاناً فجّر الحمم ونشرها على امتداد الوطن العربي. لهذا السبب لا يجوز لأحد أن يستثني نفسه من التداعيات والآثار أو أن يتهرب من تحمل المسؤولية ومعالجة العلل ومجابهة الأخطار المقبلة عاجلاً أو آجلاً في حال عدم التصدي لها بحزم وحكمة وسرعة لا بتسرّع!
والبدء بالنفس يعني تنقية الذات من شوائبها وإصلاح الأخطاء وعدم تكرار الخطايا وضرب مراكز الفساد ومعالجة أسباب الشكوى والاستماع إلى نبض الشارع وأنين المتألمين ومطالب الناس المحقة، وإعادة بناء الكيان والمؤسسات على أسس سليمة من علم وتعليم وإنتاج ورعاية وفرص عمل ومتطلبات الحياة ولو في حدودها الدنيا، واعتماد الشفافية في الممارسة السياسية والوطنية من جانب السلطة والمعارضة، وبالتالي الالتزام بضمان الحريات ومنع انتهاك حقوق الإنسان وتأمين المشاركة والشورى وتداول السلطة والاعتدال والعدالة الناجزة والمساواة في الحقوق والواجبات.
والأحداث الأخيرة علمتنا الكثير من الدروس التي كنا نعرفها لكننا تجاهلناها وهي انه لا يمكن الفصل بين لقمة العيش والكرامة، وبين فرصة العمل وفسحة الأمل، وبين الحرية والأمن والأمان، وبين العدالة والاستقرار وبين الشعب والسلطة، وبين الإعلام والمتلقي وبين الوطن والمواطن. فكل العوامل مترابطة ومتلازمة، إذا تعرض عامل منها للأذى والتهميش تداعت لها كل العوامل بالنقمة أولاً ثم بالثورة والرفض والمجابهة، مما سيؤدي إلى المزيد من التدهور والفوضى والاقتراب من حالة الانهيار.
وبعد البدء بالنفس، أي في الأوطان الداخلية، يمكن الانتقال إلى الخطوات المطلوبة بإلحاح في هذه الظروف الحرجة وفق خرطة طريق تكفل قيام نظام عربي ربيعي صحي وسليم وقوي ومتين، لتحقيق الأهداف الآتية:
1 - إخراج مبدأ التضامن من غياهب الشعارات والقصائد والبيانات والقرارات الباهتة إلى حقيقة واقعة تطاول كل قضايا الأمة ومشاكلها وتعيد لها كرامتها وصدقيتها والثقة بنفسها واحترام العالم لها ومن ثم استعادة هيبتها وقدرتها على المجابهة لكي تحسب أية جهة أو دولة مهما علا شأنها ألف حساب قبل أن تفكر في تجاهلها أو الاعتداء على دولة من دولها بعد سنوات الهوان والتخاذل. فإسرائيل صالت وجالت وعربدت ونسفت كل مبادرات السلام واحتلت واعتدت وضمت أراضي عربية وهوّدتها وانتهكت حرمة المقدسات الإسلامية والمسيحية وفي مقدمها القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك.
والدول الكبرى التي خرجت من باب الاستعمار بعد ثورات الاستقلال لتعود من نوافذ التدخل والهيمنة والنفوذ والمطامع فيما العرب يتفرجون كأنهم صمّ بكم عمي لا يعمهون أو كأن الأمر لا يعنيهم أو أنهم لا يتذكرون معاني حكمة laquo;أكلوك يوم أكلوا الثور الأبيضraquo;.
العراق سقط بين عشية وضحاها بتواطؤ مشبوه بواسطة أدوات عميلة ولم نسمع صوتاً يقول: لا، رغم كل المآخذ على نظام الرئيس الراحل صدام حسين.
والسودان يُقسّم بتآمر خارجي وتورط صهيوني وهوان داخلي مصحوب بتواطؤ وغباء من دون أن يقوم مسعى واحد لمنع حدوث ما حدث والحبل على الجرار. وليبيا تُقصف وتُقطّع أوصالها بغطاء عربي مهين ومطامع أجنبية مفضوحة من دون توافر إرادة عربية لمنع انفجار الكارثة على رغم مساوئ نظام القذافي وجرائمه وفساده وممارساته التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه.
2 - إعادة تجميع الأوراق العربية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه بتوحيد الصفوف ومنع الانزلاق نحو مغامرات جديدة من أجل استعادة الدور العربي بعد أن نجحت القوى الإقليمية والدولية في غفلة من الزمن وفي تغافل من العرب في سلب دور العرب، أصحاب الحقوق والشرعية والأرض والتاريخ والجغرافيا، بحيث تحولوا إلى متفرجين على مسرحية صراع تقاسم النفوذ بين إيران وتركيا وإسرائيل من جهة، وبين القوى الدولية من جهة أخرى.
3 - صوغ المسلّمات العربية الأساسية التي يجب أن يقوم عليها النظام الربيعي الجديد، وتكريس مبدأ التكامل الاقتصادي والتكافل بين الدول والمواطنين وفتح الحدود وإعطاء الأولوية للعمالة العربية وتفعيل دور السوق العربية المشتركة والتجارة البينية، وصولاً إلى الوحدة الاقتصادية ونزع فتيل انفجار براميل بارود الحاجة والبطالة والفقر والمرض ببناء مشاريع منتجة مضمونة بين الدول الغنية والدول الفقيرة.
4 - تكريس مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية بعد أن تم خرقه عشرات المرات خلال العقود الماضية من خلال مؤامرات وتفجيرات واغتيالات وابتزاز حول هذا المبدأ إلى مهزلة. ومن يستعرض التاريخ الأسود للتدخلات في شؤون الدول العربية الداخلية يصاب بالذهول والاشمئزاز.
هذه العوامل في خريطة الطريق لإقامة نظام عربي ربيعي ضرورية مع عوامل أخرى لا بد لأصحاب الحل والربط، وأرباب العقل والحكمة، من أن يضيفوا إليها من أجل تحقيق الأفضل وضمان النجاح وتحصيل البناء وتحقيق الأهداف المرجوة منه والتي تصب جميعها في إطار المصالح العربية العليا.
والأهم من كل ذلك هو توافر عوامل الصدق والمصارحة والاحترام والحكمة والإرادة والعزيمة والرغبة الأكيدة في الوصول إلى الغاية السامية. فما كان يجري أيام النظام العربي البائد هو: نفاق وكذب متبادل وخناجر تختفي وراء الظهور وفقدان ثقة وضحك على الذقون وتبويس لحى بزعم التصالح لتبدأ بعد ذلك فصول جديدة من الشقاق والخلاف والتشرذم.
فهل تعلمنا دروس التجارب... وهل هناك حقاً رغبة أو إرادة لبناء نظام عربي ربيعي قوي وفاعل يقوم على مبدأ: نكون أو لا نكون... تلك هي المسألة المحيرة! والله يهدي الجميع لما فيه خير الأمة والشعوب!
تركيا تواجه إسرائيل... وإيران؟
راجح الخوري
النهار اللبنانية
الى أين سيصل الاقتحام التركي الصاخب لمنطقة الشرق الأوسط؟
إنه السؤال الأكثر سخونة بعد الهجوم الذي تشنه أنقرة على اسرائيل، وبعدما استأنف الزعماء الأتراك إداناتهم للسياسة القمعية التي ينفذها النظام السوري، واستطراداً بعدما بلغ الضيق الإيراني من الاندفاعات التركية حد اتهام أنقرة بـquot;التواطؤ السريquot; مع أميركا والغرب!
واضح تماماً ان رجب طيب أردوغان اختار quot;البوابة الفلسطينيةquot; مدخلاً لإعادة بناء دور إقليمي لبلاده في المنطقة، التي كانت منquot;أعمال الامبراطورية العثمانيةquot;. فعندما يعلن quot;ان البحرية التركية ستواكب من الآن وصاعداً السفن التي تحمل المساعدات الانسانية الى قطاع غزةquot;، فإنه يندفع الى حدود مواجهة بحرية مع اسرائيل، التي ترفض تقديم الاعتذار عن هجومها الدموي على سفينة مرمرة وquot;أسطول الحريةquot;.
أما عندما يقول quot;إن تركيا اتخذت إجراءات لمنع اسرائيل من استغلال موارد البحر المتوسط بشكل منفردquot;، في إشارة واضحة الى حقول الغاز الممتدة الى مياه لبنان وسوريا وقبرص التركية، فإنه لا يثير قلقاً عميقاً لدى اسرائيل وحدها، بل لدى أميركا التي سارعت الى تكثيف مساعيها لإصلاح الأمور بين بلدين تعتبرهما حليفين مهمين، وخصوصاً ان تركيا هي القوة الثانية في حلف شمال الأطلسي.
في أنقرة يدور الحديث الآن عن quot;المرحلة - جquot; في مسلسل الاجراءات العقابية التي تستهدف اسرائيل، والتي كانت قد بدأت في دافوس كما هو معروف، وهذا يعني ان تركيا ماضية في سياسة دفع اسرائيل الى الزاوية. فبعد خفض مستوى تمثيلها الديبلوماسي معها وتجميد الاتفاقات العسكرية والتعاون الدفاعي والصناعي، أعلن أردوغان أنه قد يذهب تحدياً الى غزة في إطار زيارته المرتقبة الى مصر.
كانت أنقرة تشترك مع اسرائيل سنوياً، في مثل هذا الوقت، في مناورات بحرية اسمها quot;الحورية الواثقةquot;، لكنها تحاول الآن دفعها الى الزاوية، وهو ما يرفع من شعبيتها ويوسع نفوذها في الدول العربية والاسلامية. وإذا كانت واشنطن قد أعلنت أنها تشعر بالقلق الشديد حيال الأزمة بين أنقرة وتل أبيب، فإن لدى إيران قلقاً مضاعفاً لأنها تشعر بأن تركيا تقتحم quot;حديقة نفوذها الحيويquot; على شواطئ المتوسط، عندما تحاول quot;اختطافquot; حركة quot;حماسquot; منها في غزة وتتقدم على كلام quot;حزب اللهquot; في مسألة حماية حق لبنان من الغاز، واستطراداً عندما تندفع في مواجهة مباشرة مع اسرائيل، وهو ما لا تقدر عليه طهران جغرافياً فتعتمد على أذرعها في غزة ولبنان.
وعندما يتناوب عبدالله غول وأردوغان على توجيه أقسى الاتهامات الى النظام السوري ويصل الأمر الى حد القول للأسد: quot;من يؤسس حكمه على الدم يذهب بالدمquot;، وكذلك عندما تسمح تركيا بنشر رادارات الأطلسي لرصد الصواريخ الإيرانية، فإن ذلك يتجاوز إثارة القلق في طهران ربما الى التأسيس لمواجهة لها أبعاد استراتيجية تتصل بالمصالح والنفوذ الاقليميين... وحتى بالمشاعر المذهبية!