جهاد الخازن

أكثر الناس يعرف عملاً واحداً يمارسه، ولا يعرف غيره، وأنا مثلاً أعمل في الصحافة منذ الجامعة ولا أتقن عملاً آخر، مع إدراكي أن بعض القراء يرى أنني لا أتقن الصحافة أو غيرها.

في المقابل هناك صديقي طاهر المصري. الباشا على امتداد معرفتي الطويلة به عمل في البنك المركزي الأردني، وسفيراً في لندن وباريس ومدريد، ووزيراً لشؤون الأرض المحتلة ووزيراً للخارجية، وبعد ذلك نائب رئيس الوزراء ورئيساً للوزراء ورئيساً لمجلس النواب، وهو الآن رئيس مجلس الأعيان بعد أن كان عضواً فيه، ورئيس لجنة الحوار الوطني. ورأس طاهر المصري بين هذا وذاك مجلس أمناء جامعة العلوم والتكنولوجيا.

كنت جلست إلى جانب طاهر بعد أن دعانا الرئيس نجيب ميقاتي مع أصدقاء إلى غداء معه في السراي، وأخذت أفكر في المناصب التي تقلب فيها الباشا، وأرجح أن لديه من الألقاب ما يكفي لمنافسة دوقة ألبا التي قرأت أن لها 50 لقباً بين دوقة ومركيزة وكونتيسة، بالإضافة إلى عشرات الألقاب الأخرى.

الجلسة تناولت الأوضاع العربية ونحن نودع عاماً حافلاً ونستقبل عاماً آخر توقع أكثرنا أن يكون في أهمية ما سبق واستكمالاً لأحداثه. وحدثنا الباشا عن عمل لجنة الحوار الوطني في الأردن وما توصلت إليه من اقتراحات، وأدلى كل منا بدلوه، وتبادلنا الآراء واتفقنا واختلفنا، من دون أن يكفّر أحدنا الآخر.

كانت الجلسة خاصة والحديث ليس للنشر فلا أنشر، ولكن ربما سرّبت بعض الأفكار في هذه الزاوية في المستقبل القريب مدّعياً أنها من بنات أفكاري أو أبنائها.

وثمة شيء يجمع بين الباشا ودولة الرئيس، فكلاهما حذِر يزن كلامه وكأنه أونصات من الذهب، ويحاول ألا يغلط، أو يقول ما يندم عليه فيسحبه ويعتذر عنه. ولعل هذا سر نجاحهما، فأخونا نجيب ضنين بالمعلومات وسحبها منه في صعوبة قلع الأسنان، وأخونا طاهر لم يشغل كل هذه المناصب السياسية إلا لأنه بين الأقل خطأ من سياسيي جيله.

وجدت دائماً أن الجلسات السياسية متعة لا تتوافر لي في غير لبنان، وقد أشرت قبل أيام إلى بعضها مع نواب في مقاهٍ حول ساحة النجمة، وأكمل اليوم بآخر جلسة قبل عودتي إلى لندن، فقد جمعتني مع الصديق غازي العريضي، وزير الأشغال العامة، والزميل وليد شقير، وتحدثنا بصراحة وراحة، لاقتصار الجلسة علينا، عن سورية ومصر والعراق وانعكاسات الأوضاع على لبنان.

أخونا غازي العريضي يمثلني في مجلس الوزراء، مع أنه من الشوف وأنا من المتن الجنوبي، ويستطيع القارئ أن يعتبر أن شهادتي فيه مجروحة بحكم الصداقة، فقد وجدته دائماً يجمع بين المعلومات الخاصة المهمة، بحكم المنصب، والتحليل النافذ، بحكم خلفيته في الصحافة والكتابة، وقد شغل يوماً منصب وزير الإعلام.

أخونا غازي أهداني كتابه laquo;فلسطين، حق لن يموتraquo;، وهو مجموعة مقالات كتبت في الفترة بين أول 2003 وآخر 2011، من إصدار الدار العربية للعلوم ناشرون في 527 صفحة، والمقالات أرفِقت بتاريخ النشر، ولكن من دون ذكر أين نشرت.

فلسطين موضوع لا يختلف عليه أحد من العرب والمسلمين، والمقالات تعكس الالتزام القومي لصاحبها، مع تحليل مبني على معلومات غزيرة لا يستطيع الوصول إليها إلا مَن كان في مثل الموقع السياسي لكاتبها.

وهو غضب مثلنا جميعاً إزاء الممارسات الفاشستية الإسرائيلية بحق الفلسطينيين والجيران الآخرين، وغضب لانحياز الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة، للعدوان الإسرائيلي ضد ضحاياه، وأبدى خيبة أمله بموقف باراك أوباما في الأمم المتحدة السنة الماضية، بعد أن كان في سنة 2010 توقع أن تكون فلسطين عضواً في الجمعية العامة ثم قاد الحملة ضد عضويتها.

مع ذلك، غضبه لم يمنعه من أن يسمي الأشياء بأسمائها فدان الخلاف بين الفلسطينيين والانشقاق بين فتح وحماس في الضفة الغربية وغزة.

غازي العريضي كتب ما أتوقع منه، والقارئ العربي لا بد أن يجد في الكتاب معلومات تفيده وآراء.