منصور الجمري

لعلَّ واحداً من التحديات الحضارية التي واجهتها الانتفاضات العربية من المحيط إلى الخليج في 2011 هو دحض النظريات المعادية للعرب والمسلمين فيما يتعلق بإمكانهم تشييد مجتمع مدني تكون فيه laquo;المواطنةraquo; حجر الأساس، وأن ينتج هذا المجتمع دولة ديمقراطية حديثة. فعدد غير قليل من المنظّرين الغربيين طرحوا استحالة تحقيق الديمقراطية لأن مفهوم المواطنة والتعاقد الاجتماعي يُعتبر غريباً في منطقتنا التي تنقسم بين قبائل وطوائف وجماعات عرقية وملل ونحل، وأن السلطة قائمة على الطريقة laquo;الأبويةraquo;، وأن صلة القرابة والنسب، وصلة الانتماء الطائفي أو العرقي أهم من صلة laquo;المواطنةraquo; التي لا تفرق بين أسود وأبيض، وبين رجل وامرأة، وبين أتباع هذه الفئة أو تلك.
وعلى أساس هذا الطرح السلبي، فإن البعض يرى أن من الحماقة laquo;المكلفة جدّاًraquo; تأييد الساعين إلى تحقيق الديمقراطية في مجتمع تسوده روح الهيمنة والاستبداد والقمع والتخلف والكراهية، وأن مثل هذه الثقافة مقبولة في مجتمعاتنا، وهي ثقافة مدعومة بسياسة العصا لمن عصى والجزرة لمن خضع وانخرط في بيئة لا تهتم بقيم الحرية والقدرة على الاختيار. وبمعنى آخر فإن مجتمعاتنا ليست متعطشة للحرية، بل هي راضية بالأمر الواقع باعتباره قضاءً وقدراً.
الشباب في بلداننا العربية رفض هذا الطرح الذي ساد كثيراً ووجد له من يدعمه بأطروحات تعتمد على ثقافة الطائفية والكراهية والاستحواذ على المغانم عبر أساليب لا تتسق مع عالم اليوم القائم على احترام الإنسان بصفته مواطناً، بغضّ النظر عن انتمائه الديني أو العرقي أو اللون.
الديمقراطية ليست مهمة مستحيلة، وهي تتحقق في البلدان الغنية والفقيرة، ويمكن أن تتخذ أطراً مختلفة، ولكن جوهرها واحد، وكل الأمم مرّت بمخاضاتها وخلصت إلى مجتمعات متراضية ومتوافقة وتقبل بتعدديّتها ضمن إطار تعاقدي يحفظ الحقوق الثابتة لجميع بني البشر من دون استثناء