عدنان حسين


لطالما حذّرنا النظام السوري من أن الإرهاب مثل المنشار quot;يأكل بالطالع والنازلquot; وان ليس للإرهاب دين أو مذهب أو وطن أو أخلاق أو قيم، وان طريقه سالكة في الاتجاهين وليس في وسع أحد أن يضبط حركته في اتجاه واحد، بيد أن هذا النظام اختار أن يصمّ الآذان ويغلق الأعين في وجه التحذيرات والنصائح وأن تأخذه العزّة بالإثم.

أمس، بينما كان إرهابي يفجّر نفسه في حي الميدان الشعبي بالعاصمة السورية دمشق فيُزهق أرواحاً ويسفك دماءً للعشرات من الناس الأبرياء، إلا من مواطنيتهم السورية، كان هناك عراقيون أبرياء أيضاً الا من مواطنيتهم العراقية تُزهق أرواحهم وتُسفك دماؤهم في الوقت نفسه تقريباً بقذائف هاون ومفخخات في العاصمة بغداد ومناطق أخرى. وفي اليوم السابق (الخميس) سقط نحو 250 عراقياً بين قتيل وجريح في عمليات إرهابية مماثلة.
هل من رابط بين الإرهاب العراقي جغرافياً والإرهاب السوري جغرافياً أيضا؟
نعم هناك صلة وثيقة، وهي صلة سورية تحديداً، فالتفجير الشنيع في حي الميدان حتى لو لم يكن من تدبير الأجهزة السرية السورية فأن النظام السوري يتحمّل كامل المسؤولية عنه وعن سائر التفجيرات المماثلة السابقة وعن نتائجها المأساوية.
ومسؤولية النظام السوري تتعدى كونه الفاعل المباشر للمجزرة المتواصلة منذ عشرة أشهر برفضه التنحي وإنهاء نصف قرن من الحكم البعثي الدكتاتوري، إذ انه وفّر ملاذاً آمنا لإرهابيي القاعدة والبعث الصدامي الذين هم مستأجرون للقتل في أية أرض وأي مكان وضد أيٍّ كان.
على مدى سنوات، ظل نظام دمشق منتشياً بتسهيل دخول الإرهابيين القادمين من كل حدب وصوب إلى الأراضي السورية وبإيوائهم وتدريبهم في معسكرات داخل الاراضي السورية أقامها تنظيم القاعدة وفلول البعث الصدامي، وبتمكينهم من عبور الحدود إلى العراق ليقتلوا المدنيين العراقيين بالمفخخات والأحزمة الناسفة ونحرهم من الوريد إلى الوريد أمام كاميرات الفيديو. كانت الحجة quot;الاحتلال الأميركيquot;، غير اننا لم يخامرنا أدنى شك في أن الحقيقة تكمن في كراهية نظام الأسد قيام نظام ديمقراطي على حدوده الشرقية.
الآن بعد سنوات الانتشاء تلك، يدفع هذا النظام، وأكثر منه الشعب السوري، ثمناً باهظاً لعدم الاكتراث بالتحذيرات والنصائح، بل للإصرار على دعم الإرهاب القادم من كل الاتجاهات إلى عراق ما بعد صدام، مثلما يدفع الشعب العراقي ثمناً مماثلاً في الإرهاب الذي أسبغ النظام السوري عليه رعايته الكاملة. فكما اشتغل إرهابيو القاعدة لصالح النظام السوري في الأمس ينقلبون اليوم عليه ليشتغلوا ضده، لحسابهم الشخصي هذه المرة.
معسكرات التدريب الإرهابية التي أُقيمت في سوريا خرّجت المئات، بل الآلاف، من القتلة المحترفين الذين انتشروا في البقاع العربية والإسلامية المختلفة، وسوريا جزء من هذه البقاع وليست معزولة في محيط ناءٍ أو في كوكب آخر.
سهام النظام السوري ترتّد إلى صدر من أطلقها، لكن المحنة أنها تُصيب الأبرياء من السوريين مثلما تصيب الأبرياء العراقيين وغيرهم، فالإرهابيون لا دين لهم ولا ذمة ولا ضمير.