منصور الجمري

الوحدة داخل أيِّ مجتمع لا تحدث صدفة، بل إنها تتطلب التزاماً مبدئياً وعملاً جادّاً في إيجاد وتوسيع وتثبيت الأرضية المشتركة التي ينتج عنها شعور بانتماء المجتمع لبعضه البعض على رغم تنوع أصوله وجذوره وربما حتى لغاته، وعلى رغم تعدد آرائه السياسية واتجاهاته. وينتج عن ذلك استقرار سياسي قائم على صون الحقوق الفردية والجماعية، وقائم على التضامن والتعاون والاعتراف بـ laquo;الآخرraquo;.
وحالياً فإن أكثر المجتمعات المتقدمة تفخر بأنها متعددة الثقافات والأعراق، وهي في الوقت ذاته لديها تماسك مجتمعي يحمي البلاد ويقيها من العواصف السياسية التي من شأنها أن تمر على كل بلد. في مثل هذه المجتمعات تجد أن كلَّ فئة تعتبر نفسها laquo;جزءاً من كلraquo;، وأنها جزء مهم وأساسي، ولها ما لغيرها، وعليها ما على غيرها، وأن ما يربط كل هذه الفئات المتحضرة اعتراف متبادل، وقبول بالآخر، واستيعاب فكرة أن المصالح المشتركة تأتي في المقدمة، وأن الأفعال التي تجمع الأطراف في مساحات مشتركة أكثر بكثير من الأقوال.
ومقارنة بما ذكر أعلاه بواقعنا البحريني تجد أن هناك laquo;حلقات مفقودةraquo;، إذ وصل الحال بأن يعتبر البعض إصلاح الأوضاع الكارثية خطراً على مصالحه الفئوية، وبالتالي فإنها مرفوضة لديه. كما تجد خطاباً ربما لا تسمعه حتى في أكثر بلدان العالم تخلفاً، إذ يكرر البعض أن نصف المجتمع عميل لجهات خارجية، وأن هذا النصف يجب التعامل معه على هذا الأساس. ويتمادى آخرون في ترديد الخرافات والأوهام، ويقومون بعملية laquo;تجهيلraquo; لأنفسهم ولمن يتأثر بهم.
إن البحرين بلد حضاري، ودليل ذلك أنه في مقدمة التطلعات الإنسانية في كل حقبة زمنية، ونحن حالياً نعيش في مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، ولم يعد بالإمكان التعامل مع أيِّ مخلوق - مهما كان أصله وفصله - على أساس أنه أقل من إنسان له حقوق أساسية منصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كما أنه لا يمكن الحديث عن امتيازات خاصة تمنح لفئة وتحرم منها فئة أخرى على أساس عرقي أو قبَلي أو طائفي أو النوع أو اللون؛ لأن مثل هذا الطرح يخلق الكوارث، كما لا يستفيد منه أحد على المديين المتوسط والبعيد.
إن إحدى الحلقات المفقودة في كل ما نراه هي عدم وجود طرح يوازن بين المطلب الإنساني الخالد المتمثل بـ laquo;المساواةraquo;، وبين حماية المصالح المشروعة لجميع الفئات، بحيث لا يستبدل تهميش فئة حالياً بتهميش فئة أخرى مستقبلياً. نحتاج إلى التوازن في الطرح، والتوازن يتطلب تفهم كثير من الخصوصيات التي تعنينا كمجتمع بحريني يعيش ضمن محيطه الخليجي العربي