Gideon Rachman

أشاد أردوغان بالثورة الليبية ولكنه أشار إلى أن بريطانيا وفرنسا تدخلتا عسكرياً لأسباب تجارية، كان ذلك ينم عن نفاق هائل لأنه تلقى جائزة حقوق الإنسان من معمر القذافي قبل أقل من سنة، وكان قد عارض تدخل حلف الأطلسي في ليبيا في بداية الأحداث، وذلك لحماية مصالح تركيا التجارية.
تمتد قاعدة دعم رجب طيب أردوغان من الشارع العربي إلى الصالونات الغربية، ففي الشرق الأوسط، يُعتبر رئيس الحكومة التركي بطلاً شجاعاً بنظر الفلسطينيين، وكذلك، يبدي عدد من المفكرين الغربيين إعجابهم بأردوغان، وهم مقتنعون بأنه حوّل تركيا إلى نموذج يُحتذى به في العالم العربي المضطرب.
على المستوى المحلي، فاز أردوغان بثلاثة استحقاقات انتخابية متتالية، وقد شهد عهده ازدهاراً اقتصادياً ملفتاً وإصلاحات اجتماعية مهمة، وتحديداً في مجال توسيع برنامج الرعاية الصحية ليشمل الشعب كله.
على المستوى الدولي، ساهم أردوغان في تغيير مسار السياسة الخارجية التركية التي كانت تفرط في تركيزها على الغرب، فتحول بلده إلى لاعب أساسي إقليمياً، فما يثير الاهتمام والإعجاب بتركيا المعاصرة هو أنها تثبت إمكانية الجمع بين الإيمان الإسلامي والعصرنة والازدهار والديمقراطية.
لكن تكمن المشكلة في واقع أن جميع هذه الإنجازات المدهشة قد تُعمي المعجبين بأردوغان عن الأخطاء التي يرتكبها بطلهم، وقد أصبحت هذه الأخطاء أكثر وضوحاً مع اقترابه من دخول عقده الثاني في السلطة.
لقد أصبح رئيس الحكومة التركي أكثر استبداداً محلياً وأكثر تهوراً خارجياً، وفي حال المبالغة بارتكاب هذه الأخطاء، قد يتعرض الأمن والديمقراطية في تركيا لخطر فعلي.
في بعض الجوانب المهمة، ساهم سجل أردوغان حتى الآن في تقوية الديمقراطية التركية، فقد وسع نطاق حقوق الأقليات، وتحديداً الأكراد، وعلى صعيد آخر، كانت تركيا عرضة لانقلابات عسكرية متكررة، لكن تراجع هذا التهديد الآن بشكل ملحوظ. اعتقلت حكومة أردوغان كبار الجنرالات بسبب اتهامهم بالتورط في التخطيط لانقلاب، ويبدو أن الجيش بدأ يرضخ الآن للحكومة المنتخبة على الرغم من استيائه من الوضع.
لكن توسعت ردود الفعل تجاه خطة الانقلاب المزعومة لدرجة أنها طالت عدداً كبيراً من الأشخاص الأبرياء على الأرجح، ومع ذلك، ها هم يقبعون اليوم في السجن بانتظار محاكمتهم أو حتى توجيه التهم إليهم في بعض الحالات، فلم يتم اعتقال العسكريين حصراً، ووفق المعهد الدولي للصحافة، يفوق عدد السجناء من الصحافيين في تركيا اليوم العدد المسجل في الصين، وفي إسطنبول، نظّم الصحافيون حديثاً مسيرة دعم لزملائهم المعتقلين. لكن لا يمكن تقبّل أي تحرك مماثل في بكين مثلاً، ومع ذلك، من الواضح أن الصحافيين الأتراك يعملون الآن في جو من الخوف. قد يصبح الجانب الاستبدادي من حقبة أردوغان أكثر وضوحاً مع مرور الوقت، إذ قال رئيس الحكومة التركي إنه سيتنحى بعد ولايته الثالثة في السلطة، لكن يبدو أنه ينوي الانتقال إلى المنصب الرئاسي ويسعى إلى تعديل الدستور التركي لتعزيز صلاحيات الرئيس، وفي حال نجحت هذه المساعي، قد يبقى أردوغان في السلطة طوال 20 عاماً، وسيكون بذلك النسخة التركية الأقرب إلى فلاديمير بوتين.
يميل المعجبون الغربيون بأردوغان إلى التغاضي عن معظم هذه الوقائع لأنهم يعتبرون تركيا النموذج الذي يجب أن يقتدي به العالم الإسلامي، وفي هذا الإطار، قال أحد الدبلوماسيين الغربيين: ldquo;قد يصعب التعامل مع تركيا في عهد أردوغان، لكن إذا قيل لنا إن مصر ستبدو شبيهة لتركيا في نهاية المطاف، فسنوافق على هذه النتيجة بكل سرورrdquo;.
لكن لا يشمل الدور التركي الإقليمي جوانب إيجابية حصراً، فبعد أن أصبح أردوغان أكثر ثقة بنفسه، يبدو أنه بات أكثر استعداداً للمواجهة أيضاً. (هذا ما اتضح أخيراً حين أقدم حراسه الشخصيون على التعرض لأعضاء فريق أمني تابع للأمم المتحدة في نيويورك). إذا اتخذت الأمور منحىً سيئاً، فقد تجد تركيا نفسها في صراع مفتوح على ثلاث جبهات قبل نهاية العام: مع قبرص وإسرائيل وحزب العمال الكردستاني المتمركز في العراق.
هدد أردوغان باستعمال الأسطول التركي لمرافقة ldquo;أساطيل المساعداتrdquo; التي تريد خرق الحصار المفروض على غزة، فضلاً عن إعاقة جهود قبرص في مجال استكشاف الغاز. كذلك، عمد الأتراك إلى قصف قواعد حزب العمال الكردستاني في العراق، لكن يبقى التوغل البري احتمالاً مستبعداً.
عكست الجولة الأخيرة التي قام بها أردوغان في الشرق الأوسط مدى غموض السياسة التي يمثلها، ففي القاهرة، لوح بالنموذج العلماني التركي باعتباره نموذجاً محتملاً في مصر، واعتبر أن تركيا تستطيع تعليم الشرق الأوسط كيفية الفصل بين الدين والدولة، لكن في الخطاب الذي ألقاه الزعيم التركي في ليبيا، ألمح إلى نظرية المؤامرة الشائعة في الشارع العربي، فأشاد بالثورة الليبية ولكنه أشار إلى أن بريطانيا وفرنسا تدخلتا عسكرياً لأسباب تجارية، فكان هذا الموقف ينم عن نفاق هائل لأن أردوغان كان قد تلقى جائزة حقوق الإنسان من معمر القذافي قبل أقل من سنة، وكان قد عارض تدخل حلف الأطلسي في ليبيا في بداية الأحداث، وذلك لحماية مصالح تركيا التجارية.
من الممكن حتى الآن أن يخلف أردوغان إرثاً إيجابياً جداً، إذا سارت الأمور كما يجب، قد يكون النسخة التركية عن الرئيس البرازيلي العظيم السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، ومن الملاحظ أن السيرة الذاتية لدى الرجلين تتشابه على نحو ملفت. نشأ الرجلان في بيئة متواضعة وقضيا فترات في السجن وأصبحا الصوت السياسي الذي يعبر عن الجماعات التي هُمّشت من السلطة تقليدياً، وارتبط اسم الرجلين بالازدهار الاقتصادي وبنشوء بلديهما كنموذج للمنطقة من حولهما، وقد ساهما أيضاً في تحويل البلدين إلى لاعبَين مهمين على الساحة العالمية.
لكن ثمة اختلافات مهمة أيضاً بين الزعيمين، إذ اتبع لولا دا سيلفا سياسة خارجية لطالما هدفت إلى طمأنة الدول المجاورة للبرازيل. بعد أقل من عشر سنوات في السلطة، تنحى الزعيم البرازيلي بعد أن قاوم رغبته في تعديل الدستور بهدف إطالة عهده في السلطة. فهو أدرك الوقت المناسب للرحيل، تماماً مثل نيسلون مانديلا، لكن لسوء الحظ، تقل المؤشرات على أن أردوغان يتمتع بالتواضع نفسه أو بالقدرة عينها على ضبط النفس.