خالد الجابر

نهاية عام 2011 لم تكن منصفة، فبينما كان التغيير في العالم العربي شبه جذري طال زعماء وبدل أنظمة ديكتاتورية قمعية شمولية توارث الحكم لها ولأبنائها وعائلتها وطوائفها لعقود، وكانت تأمل أن يطول بها العمر لقرون الدهر إلا انه كان رقيقا في الجانب الآخر من الكرة الأرضية وخصوصا منطقة أطراف قارة آسيا في الصين وكوريا الجنوبية ودول جنوب أفريقيا فلم يتغير الكثير ولم تتصدع الأرض أو تهز السماء وربما يفاجئنا عام 2012 بأحداثه ومتغيراته.

(1)
عبادة كل من الزعماء الديكتاتوريين والمستبد العدل والحاكم الأبدي والسلطان والزعيم الخالد والقادة السياسيين والعسكريين والدينيين والإمام والأولياء والولي الفقيه ظاهرة لم تكن حكرا على جنس العربان بعدما تخلصوا من عبادة الأصنام، بل تشارك فيها العديد من الشعوب على مر العصور التاريخية مختلفة الأمكنة والأزمنة، لكن بينما تخلص من أفاتها وعقدها العديد منهم مازلت تحيا في القلوب وتسيطر على العقول في معظم أرجاء العالم العربي منه والإسلامي أيضا في إيران وباكستان وأفغانستان. ولا يزال الكثير يحن ويستلذ العيش تحت أقدام هؤلاء الزعماء والقادة حتى بعد رحيلهم أو هروبهم أو موتهم وهم الذين ضربوا ظهورهم واستولى على حقوقهم وأموالهم وانتهكوا حرماتهم وساروا على أجسادهم. كانت من أشد الأزمات النفسية التي تمت مواجهتها وعلاجها عن طريق الصدمة من خلال تكثيف جرعات الحرية وتحمل المسئولية الفردية والاجتماعية، تكمن في مواجهة حنين العبيد إلى العودة عبودية quot;سماحة السيدquot; ونظام المالك القديم بعد إقرار قانون منع الرقيق وإلغاء العبودية في الولايات المتحدة، وهو الزمن الذي يعيشه الإنسان العربي اليوم بعد انفجار الثورات في المدن والحواري والشوارع العربية.

(2)
أبى أن يذهب العام 2011 مكتفيا بالإطاحة ببعض الزعماء والقادة العرب، وأخذ معه واحدا من أكثر قادة العالم استبدادا وديكتاتورية وهو زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ إيل. لقد شاهدنا الجماهير تخرج بمئات الآلاف في بيونغ يانغ حزنا ربما أو فرحا برحيله فلا تخدعنا المظاهر فلقد تعلمنا الكثير عن سيكولوجية الجماهير ومدى زيف المظاهرات المليونية التي تهتف بروح القائد وانجازاته وإبداعاته وحصوله على (99و99 %) من الأصوات الشعبية المؤيدة لكي يستمر في الحكم إلى نهاية الزمان، عاصرناها مع بن علي التونسي، ومبارك المصري، والقذافي الليبي، وطالح اليمني، وبشار السوري وزمرتهم وطغمتهم الحاكمة. الصحف والأبواق الرسمية خرجت ممجدة بحياة الزعيم الكوري الحافلة بالمنجزات الخارقة حتى الجليد تقعقع حول مهد كيم المفترض في جبل بايكدو المقدس مثل الرعد، بينما هلت أنوار زرقاء، وجال طائر الكركي الأبيض يمسح الثلج عن كتفي تمثال القائد. وتحدثت وسائل الإعلام الحكومية عن توافد خمسة ملايين شخص على الأقل على زيارة تماثيل وصور الزعيم الراحل في أنحاء مختلفة من بيونغ يانغ للتعبير عن حزنها عليه أي أكثر من خمس سكان البلاد. وهناك عشرة آلاف كوري شمالي ينتظرون في طوابير حتى الوصول إلى المقدمة في مجموعات قوام كل منها مائة فرد ينحنون ويجهشون. وكل ذلك يجري تحت الضوء الصناعي الغامر، تلفهم رياح قارسة البرودة وموسيقى جنائزية وأصوات كئيبة تصدر من المكبرات، بينما يجري توثيق كل دقيقة بمشاركة نحو عشرين مصورا وعشرة فرق كاميرات تلفزيونية؟!

(3)
أما الحقيقة فهي مغايرة عن التاريخ الرسمي المزيف، فالقائد المبجل كيم جونغ إيل، الذي توفي عن 69 عامًا، حكم كوريا الشمالية بقبضة من حديد منذ 1994، وترك لخلفه ابنه الأصغر كيم جونغ أون الديكتاتور الصغير الذي لم يبلغ الثلاثين من العمر من المراهقة السياسية اقتصادًا يحتضر في بلد شهد مجاعة مميتة ونقصًا متكررًا في المواد الغذائية. وتعرض جونغ ايل لانتقادات واسعة خلال فترة حكمه لوقوع quot;انتهاكات صارخة لحقوق الانسان إضافة إلى تهديده لأمن المنطقة بأسرها بسبب برنامج بيونغ يانغ النووي. استخدم القائد الشمالي، الدعاية والمبالغة في عبادة الشخص وولاء الجيش المطلق له ومعسكرات العمل، للبقاء في السلطة، كما فعل والده قبله. وقد نظر بسخرية إلى الذين تكهنوا بانهيار نظامه مع زوال المساعدة السوفياتية في بداية تسعينيات القرن الماضي. ومع نهاية ذلك العقد أدت مجاعة في كوريا الشمالية إلى وفاة ما يصل إلى مليون شخص. غير أنه ظل مع ذلك (الزعيم الغالي) وواصل برنامجه لصنع أسلحة نووية وأجرى في هذا السياق تجربتين. وقد اتهم بتنظيم اعتداء أوقع 17 قتيلاً كوريًا جنوبيًا عام 1983 في بورما، وبتدبير انفجار وقع عام 1987 على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الكورية، وأودى بحياة 115 شخصًا كانوا على متن الطائرة، قبل أشهر قليلة من ألعاب سيول الأولمبية. وأكثر ما كان يثير القلق خلال آخر سنوات عهده هو قراراته المجنونة غير المتزنة، كما حدث لدى إطلاق قواته طوربيدا في 2010 على طراد كوري جنوبي ما أدى إلى مقتل 46 من بحارتها وكلف البلاد عقوبات إضافية.

(4)
مع استمرار الأنظمة الاستبدادية في الحكم تتحول الإخفاقات والانتكاسات والهزائم لكي تصبح انجازات وبطولات وانتصارات. فخلف المباني التي تبدوا جميلة وأنيقة ونظيفة المطلة على الشوارع التي يمر بها موكب الزعيم، الفقر والفاقة والمجاعة والسجون والمعتقلات والأجهزة السرية والبوليسية والشبيحة الذين يطلقون النار على كل من تسول له نفسه بالنطق بكلمة quot;حرية وبسquot;. الثورة السورية اليوم التي تدعوا إلى إسقاط النظام البعثي القاتل هي أقرب النبوءات التي قد تتحقق في جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية (كوريا الشمالية) إذا ما استمرت البلد مغلقة مهمشة مهملة تعيش بعيدة عن العصر في ظل حكم نظام قمعي ديكتاتوري. في بداية 2011 شهدنا عام الثورات في العالم العربي وهو تاريخ يدعونا إلى إعادة كتابة التاريخ الذي سيطر عليه مؤرخ النظام وصبيانه، فهل سنشهد ربيعا مماثلا يطيح بالأنظمة الديكتاتورية في أنحاء مختلفة من العالم سننتظر ونرى ماذا سيجلب لنا العام الحالي من مفاجآت سارة أو حزينة؟!