لميس اندوني

تعيش المنطقة حالة ترقب وانتظار لضربة عسكرية, يعتقد الكثير من السياسيين أنها قادمة لا محالة, ضد إيران, وعليه فإن الكثير من القرارات, ستبقى مجمدة بانتظار تداعيات الحرب الأمريكية/ الإسرائيلية ضد طهران.

لكن القراءة المتأنية للمشهد الأمريكي, بما في ذلك التصريحات الرسمية والمقالات, تدل أن المؤسسة العسكرية الأمريكية , نجحت في حمل الرئيس باراك أوباما باختيار في الوقت الحاضر على الأقل-خيار تشديد العقوبات واعتماد القنوات الخلفية لاحتواء التوتر مع ايران,على الخيار الحربي, بالرغم من تصعيد الحملة الصهيونية اليمينية, في الإعلام والكونغرس, لكسب الرأي العام لصالح عملية عسكرية ضد طهران.

فحتى قبل أن تعلن صحيفة نيويورك تايمز, صباح يوم الجمعة, عن اتصالات سرية, عبر قنوات خلفية, بين واشنطن وطهران , لتلافي أزمة , في حال إغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي في وجه ناقلات شحن النفط العالمية, كانت قد بدأت حملة تأييد واسعة, من قبل كتّاب معروفين بقربهم من مركز القرار, لخيار تشديد العقوبات, وإعطائها فرصة للنجاح, قبل اللجوء إلى الحل العسكري.

اللافت للنظر, أن كلا الصحيفتين الرئيسيتين, النيويورك تايمز والواشنطن بوست, نشرت, في وقت متزامن تقريباً , خلال الأسبوع الماضي, افتتاحيات رئيسية, تنادي بضرورة استنفاد خيار العقوبات الاقتصادية والحصار الدبلوماسي قبل تبني الخيار العسكري, علماً أن الصحف الأمريكية خاصة النيويورك تايمز, كانت قد بدأت, ولأسابيع قبل ذلك, بقرع طبول الحرب في طريقة شبيهة بدورها في الترويج لمبررات الحرب على العراق فبل حوالي عشر سنوات.

ومن المرجح أن يكون التبديل الحاصل في الموقف الأمريكي, وإن لم يحسم القرار بعد, ناتجا عن تردد القيادات العسكرية الأمريكية ببدء حرب جديدة لسببين رئيسيين:

أولاً : أصبح من المؤكد أن الموازنة الأمريكية الجديدة ستحتوي على خفض كبير على الإنفاق العسكري, بما يجعل التزام واشنطن بعمل عسكري, في منطقتين مختلفتين في العام, غير ممكن, دون الاستعانة, بقوة أو قوات حليفة quot;محليةquot;, وذلك حسب خبراء عسكريين أمريكيين.

ثانياً: توصل القيادات العسكرية إلى استنتاج بأن أمريكا لن تستطيع الاعتماد على تحالف quot;عربي سنيquot;, مكون بالدرجة الأولى من دول التعاون الخليجي, على القيام بدور quot;القوات الشريكةquot;, في حرب أمريكية على إيران, خاصة أن الاعتماد على إسرائيل وحدها بالقيام بمثل هذا الدور, سيكون له خطر استراتيجي على المصالح الأمريكية, كما حذر من ذلك أكثر من مسؤول أمريكي أكثر من مرة.

أهمية النقطة الثانية أنها جاءت بعد دراسة متأنية, واستشارات واسعة, حول مدى استعداد, وقدرة دول الخليج على القيام بدور quot;شريك أساسي quot; في حرب مقبلة على إيران , في ظل الثورات العربية, وكانت القيادات العسكرية الأمريكية قد عقدت, برعاية مؤسسة راند للدراسات الإستراتيجية, في واشنطن, في شهر تموز الماضي, جلسة عصف ذهني مغلقة, بمشاركة مائة خبير في شؤون الشرق الأوسط, الذين توصلوا إلى استنتاج أن دول الخليج لن تستطيع القيام بدور الشريك الذي تتطلبه عملية عسكرية ضد طهران.

الغريب, أن محصلة جلسة العصف الذهني لم تنشر إلا مؤخراً, في إشارة إلى أن الإدارة الأمريكية, كانت مترددة في تسريب مثل هذا التحليل, فيما اخذ وقتها في دراسة خياراتها, و استطلاع مواقف الدول العربية , وبالأخص الخليجية منها.

ومن أهم ما جاء في الملخص, المتوفر على الموقع الإلكتروني لمؤسسة راند , أن قيادات دول الخليج, وبالرغم من تخوفها من quot;الخطر الإيرانيquot;, ليست مستعدة للمجازفة باستقرارها الداخلي, من أجل حرب لا يمكن التنبؤ بتداعياتها, خاصة أنها فقدت الثقة, بموقف الحليف الأمريكي الذي هو على الاستعداد للتخلي عن حلفائه, في حال حدوث تفجر للوضع الداخلي, كما حدث مع الرئيس المصري المعزول حسني مبارك.

التقرير النهائي, كشف أنه وبدلاً من أن يؤدي تدخل قوات درع الخليج في قمع انتفاضة البحرين, إلى تأهيل دول الخليج للعب دور عسكري في حرب ضد إيران, أدى وبالعكس تماماً, إلى إضعاف الوضع الداخلي لهذه الدول, وزعزعة مصداقية الحكام, مما جعل دول الخليج أقل استعداداً, وقدرة, على المشاركة في مغامرة عسكرية أمريكية قد تودي بأنظمتهم, أن هذه الدول بدأت تتجه إلى إقامة علاقات أوثق مع القوة العظمى الصاعدة, أي الصين, بعد فقدانها الثقة في دعم واشنطن لها.

مع أهمية رصد هذا التحول , أو على الأقل رصد أهمية المحاذير التي تواجه الخيارات العسكرية الأمريكية, فأنه لا يمكن التكهن بثقة, إذا كان البيت الأبيض قد حسم قراره النهائي, خاصة أن الحملة الصهيونية-اليمينية, لم تهدأ بعد, وهي آخذة بالتصعيد, معتمدة على تخويف الشارع والكونغرس الأمريكي من مخاطر فشل سياسة الاحتواء التي يتبعها اوباما في تجنب الخطر النووي الإيراني.

وعليه من الحكمة على أصحاب القرار, دراسة أبعاد حرب محتملة, ولكن الأهم من ذلك التعبير عن معارضة واضحة لمثل هذه الحرب, وعدم الاستسلام للقدر الأمريكي, فهذا اقل ما يستطيع الحكام العرب القيام به, مثل هذه الحرب قد تعصف بالجميع , وتجر المنطقة إلى حروب طائفية.