محمد نور الدين

بقدر ما ينشغل العالم العربي بتركيا من زاوية تأثيرها وموقعها من التطورات الجارية في دول ldquo;الربيعrdquo; العربي، تغيب عن الساحة العربية الإعلامية والسياسية أيضاً تلك العواصف التي تعصف بالداخل التركي في شقيها العسكري والكردي، فضلاً عن القلق من موضوع الحريات الصحافية والسياسية .

يردد رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان في كل خطاباته أنه نال خمسين في المئة من أصوات الناخبين . هذا يتيح له أن يحكم بمفرده لكنها لا تعني أن يتفرد بالقرارات التي تطال كل المجتمع، خصوصاً تلك التي تمس أسس النظام الذي يحاول حزب العدالة والتنمية أن يؤسسه منذ وصوله إلى السلطة في تعزيز الديمقراطية وتوسيع الحريات وإعداد دستور جديد ضامن لكل الهويات السفلى في المجتمع غير المعترف بها حتى الآن .

ليس من فترة يتعرض فيها أردوغان للانتقاد مثل هذه الفترة . والانتقاد يأتي من كل الأطراف، من الأكراد ومن القوميين ومن الليبراليين واليسار الاجتماعي كما من خارج الحدود ولا سيما الاتحاد الأوروبي . وحدها واشنطن لا تبدي مثل هذه الحماسة في الانتقاد، وهذا يجب ألا يريح أردوغان، كما قد يظن، بل أن يقلقه لأنه يمكن أن يفسّر الموقف الأمريكي ضمانة لعدم المساءلة في ما يكون يصل إلى نقطة لا عودة في إمكانية التراجع عن الخطأ .

تبدو أخطاء أردوغان بقوة في طريقة تعاطيه مع المسألة الكردية في شقها المدني، رغم أن العمليات العسكرية التركية ضد حزب العمال الكردستاني لا تجد غالباً مبررات منطقية لها، غير أن الاعتراض الشديد هو في طريقة تعاطي حكومة أردوغان مع الفئات والمجموعات المدنية التي تناصر المسألة الكردية، وليس تحديداً حزب العمال الكردستاني .

منذ انتهاء الانتخابات النيابية في يونيو/ حزيران الماضي والعلاقة في سوء يومي بين حكومة حزب العدالة والتنمية والقاعدة السياسية الكردية والمنظمات المدنية المدافعة عن الحريات . ومع أن الجميع كانوا يتوقعون أن يمرر أردوغان محطة الانتخابات للانتقال من موقع قوة إلى الانفتاح وطرح خطة جديدة جريئة لحل المشكلة الكردية إذا به يعتبر انتصاره الشعبي، لا البرلماني (لم ينل ثلثي المقاعد، 367 مقعداً، ولا 330 مقعداً الضرورية للذهاب إلى استفتاء شعبي)، مبرراً لشن أوسع حملة اعتقالات على كل منتقدي سياساته الكردية وغير الكردية .

بات التعبير عن موقف سياسي أو فكري أو صحافي لمعارضي أردوغان مجازفة وتذكرة للاعتقال والسجن، وشملت الاعتقالات كل الشرائح من صحافيين، حيث هناك تسعون صحافياً معتقلاً، ومثقفون وأساتذة جامعات ومخرجون وممثلون سينمائيون ونقابيون ورؤساء بلديات وجمعيات، وصودرت كتب لم تذهب بعد إلى المطبعة، فضلاً عن نواب فازوا وهم في السجن ولا يزالون .

وبالأمس لامست الإجراءات خطاً أحمر عبر انتهاك حرمة منزل النائبة الكردية ليلى زانا في أنقرة وخلعه وتفتيشه ومصادرة أجهزة كمبيوتر وغير ذلك، رغم أنه لا مذكرة بهذا الخصوص، وهي في الأساس تحظى بالحصانة النيابية .

زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو قسم المجتمع التركي إلى قسمين: قسم في السجن المغلق المعهود، وقسم في السجن الكبير المفتوح .

ويذكّر المخرج والكاتب جان دوندار بأنه عندما اقتحمت قوات الأمن في عام 1999 منزل النائبة المنتخبة التي لم يسمح لها بأداء اليمين، مروة قاواجي، وما لبث أن أسقطت المحكمة الدستورية عضويتها النيابية، قامت قيامة الإسلاميين حينها، وكان معهم حق . لكن يتساءل دوندار عن سبب تكرار أردوغان اليوم مع ليلى زانا الخطأ نفسه الذي ارتكبه المتشددون حينها بحق قاواجي .

ترى النائبة غولتان قاشاناق نائبة رئيس حزب السلام والديمقراطية الكردي أن نيل أردوغان خمسين في المئة من الأصوات لا يعني أنه وحده يملك المعرفة . وتساءلت أن هتلر كان وراءه الملايين لكن بماذا يذكره الناس اليوم؟

أما رئيس الحزب نفسه، صلاح الدين ديميرطاش، فلا يجد فرقاً بين الانقلابات العسكرية التي كان ينفذها العسكر وبين الانقلاب الأمني الذي ينفذه حزب العدالة والتنمية اليوم، متهماً أردوغان بأنه أعطى أوامره لمحو الأكراد، فيما يرى الكاتب الليبرالي المعروف حسن جمال أن حملة الحكومة على المتهمين بدعم الإرهاب غير مقنعة، وكلما تواصلت حملة الاعتقالات بالوتيرة الحالية تتأكد صوابية الرأي الذي يتهم حكومة أردوغان بأنها تتحول إلى حكومة شمولية قامعة لكل أنواع الحريات .

فهل يدرك أردوغان خطورة المرحلة التي تمر بها تركيا في ظل العواصف التي تهز المنطقة، وتركيا جزء منها، بل تطرح نفسها ldquo;نموذجاًrdquo; لها؟