يوسف الكويليت

الصورة باتت ضبابية في المغرب والمشرق العربيين، فتونس يسودها قلق قد يؤدي لانشقاق التآلف، لأن الحاجة الملحة للتغلب على مصاعب الضائقة المالية والبطالة فتحت أكثر من باب للتساؤلات المحيرة، وليبيا شعب مسلح انقطع عن التواصل مع العالم بسبب الدكتاتورية النائية عقلاً وتعاملاً، ولا تزال روح القبيلة وتبايناتها ظاهرة في المجتمع، وقد يبدأ النزاع من موقف عادي يفجر أزمات شعبية..

ومصر تملك عناصر باختصاصات عالية في الحكومة، والأحزاب، وقبضة الجيش لم تهتز، لكن لابد من نظرة واقعية لترك الدولة تعمل، وإيقاف المظاهر التي أدت إلى تظاهرات ومنازعات أعاقت إعادة بناء المؤسسات التي خربها النظام السابق..

والسودان لم يدخل موسم الربيع العربي، لكن العواصف تحاصر النظام، وهناك قوى دولية تعمل على تفكيك هذا الكيان الكبير، والسلطة وأحزاب العائلات في حالة نزاع، ولكنه مكيف على احتكار الحكم، والجميع في حالة غياب عن المتطلبات الوطنية، وانفجار الشارع قد يخلق خريفاً عاصفاً ما لم يتجمع هذا الشتات ويصنع تآلفاً يقود السودان إلى رحلة البناء بدلاً من حالات الهدم الدائمة..

في المشرق الحالة مختلفة وإن تشابهت الوقائع، ففي سورية الحكم لايزال مثل التفاحة الفاسدة المنتظر سقوطها، لكن الاعتماد على قوى عسكرية ومالية من التجار الذين صنعهم النظام، وإدراك أن الجامعة العربية مجرد هيكل متداع، وأن الغرب لن يتدخل، هي مبررات للقتل واستعمال أبشع السلوك الإجرامي، لكن الحسابات سقطت بفاعلية قوة الثورة الشعبية التي أعطت مثالاً نادراً بين كل الثورات على جسارة المواطن الذي كسر هيبة الدولة وجبروتها، ولذلك فكل المؤشرات لا تعطي النظام فرصة البقاء مهما كابر وبطش..

واليمن بلا بوصلة، فكل الاحتمالات ترشحه لمزالق كثيرة، لأن مؤسسات النظام لا تزال قائمة بحزب الدولة والجيش، والمعارضة ليست سهلة، والرائع أنه بالرغم من وجود السلاح بيد المواطنين، إلا أنه لم يُستعمل في تصفيات شعبية بين الخصوم، لكن هناك جبهات لا تزال تنمو مثل القاعدة والحوثيين، مستغلين فراغ الدولة، ومع ذلك فحتى التنظيمين اللذين يريدان مضاعفة قوتهما في هذا الظرف، هما في غياب تام عن الواقع اليمني تحديداً، وخارج المفهوم العالمي المعاصر عموماً..

والعراق أثبتت القوات الأمريكية التي كانت تعسكر في المواقع الحساسة، عامل توازن مع أنصار إيران، لكن بعد خروجها أراد المالكي بناء دولة الطائفة في ظل حماية إيرانية، لكن تجاهل المكوّن الاجتماعي وتعقيداته، ودورة العنف السائد، وبروز ظاهرة سلطة الأقاليم، قد تفرغ السلطة من ترابطها، لأن استبدال دكتاتورية البعث بدكتاتورية الطائفة، هو أمر ضد التوجّه الوطني، وضد المنطق، ولذلك فالمشهد العربي لا يزال مضطرباً بل ومخيفاً بل ويتجه إلى المجهول..