مصطفى الغزاوي

مصر يوم 25 يناير تحاول أن تغتسل مما علق بثوب الثورة، ذات حالة الترقب وحالة انعدام مفاتيح الثورة،ذات حالة مصر منذ عام قبل يناير 2011 غير أن نزاعا بينا بين الإسلاميين وبين الشباب من خارجهم، وبين الشباب وباقي التكوينات التي برزت للصدارة بعد الثورة، اتجاهات تنذر بالسوء وأن هناك من يريد أن يحيلها إلى فوضي، وأنهم quot;همquot; ـ الإسلاميون ـ حماة الثورة ورافضي الفوضى، وهم هذه تعود على غير الشباب الذي تعرض للقتل والاغتيال، الشباب الذي يرفع شعار quot;يسقط حكم العسكرquot; وهو الشباب الذي يحاولون تشويهه تارة بالبلطجة وتارة أخرى باتهامه بالتمويل من الخارج وأخيرا بالحكم المطلق عليهم بأنهم ليسوا من الثوار.
نشرت جريدة المصري اليوم جملة على لسان منصور حسن رئيس المجلس الاستشاري والذي جاءوا به من غياهب الركون السياسي بعد أن أقاله السادات آخر أيامه منذ 30 عاما، ليصبح هو نبي المرحلة، وكأن الثورة لا تتقدم للأمام ولكنها تعود للخلف بعمق الزمن الذي ثارت عليه، والجملة المنشورة تصف الدعوة إلى الثورة الثانية بأنها quot;غير أخلاقيةquot;، وكأن حديثه هو عن ضرورة أن يكون الجيش حاسما ضد الشباب وأن يستخدم القوة هو الحديث الأخلاقي، وكأن ظهوره هو على رأس مجلس استشاري للمجلس العسكري هو تصرف أخلاقي وليس تعيشا ومحاولة للحصول على مغانم في مصر بعد الثورة، ولكن الأمر لا يمسه وحده ولكنه يمس تلك النخبة التي اختارها المجلس العسكري لتكون معا المجلس الاستشاري، واختارته هذه النخبة رئيسا لها، أو كما يقول الشباب، أنه تصرف في شأن الثورة بذات الفكر الذي أرادت الثورة أن تتخلص منه لتضع منهاجا جديدا للتغيير.
قي الوقت ذاته، كانت تصدح قناة الرحمة بأحاديث الفرز والوعيد والإيمان الملزم للصمت، وتحدث من لقبوه بأمين الثورة، أن الشباب الإسلامي الذي يتبع المتحدثون على قناة المحور سيؤمن الميدان، بعد أن يفرغه ممن فيه، وأنهم هم الثوار ومن عداهم أدعياء، وأن برلمان الثورة ودستور سيكتبونه ورئيسا سيختارونه هو الثورة، وما عداهم فهو غير شرعي، أما هدف الثورة quot;عيش ـ حرية ـ عدالة اجتماعيةquot; هو رجس من عمل الشيطان، وهؤلاء الذين يحملون المباخر والأختام معا هم ذاتهم الذين صمتوا على شهداء الثورة الفترة الماضية، وهم الذين يتيحون العمرات والحج بأعداد بالمئات هدايا للثوار، وهم ذاتهم الذين أدانوا الفتاة المسحولة على الأسفلت لأنها لم تكن ترتدي شيئا تحت العباءة، وتركوا من سحلها وقضوا بأنها ليست منهم، هم من لاموا المقتول والمسحول وادعوا عليهم بما ليس فيهم، وأكلت القطط ألسنتهم طوال أشهر المطالبة بتحقيق الثورة، وأهدافها.
وثالث المقدمات جريمة خطيرة نشرتها بوابة الأهرام الإلكترونية يوم الأحد الساعة 12:50 بأن مجهولين اغتالوا الناشط السياسي محمد جمال عضو ائتلاف لجان الدفاع عن الثورة في حوالي الرابعة فجرًا في ظروف غامضة، حيث تم ذبحه بسلاح حاد خلف دار القضاء العالي أثناء تواجده أمام مكتب النائب العام مع مجموعة من زملائه المعتصمين، الذين يطالبون بتطهير القضاء، وسط ذهول القضاة المعتصمين.
هذه المشاهد الثلاثة تزيد الأمر غموضا عما يمكن أن يحدث، خاصة أن شباب مصر يكاد يكون في مسيرات وتحركات للحشد استغرقت الشهر الماضي كله، ويضاف إلى ذلك حالة التوتر التي أصابت أساطيل النقل البري نتيجة أزمة الوقود، ووصل الأمر بالسائقين إلى إغلاق المحاور المحيطة بالقاهرة بإلقاء حمولات من الرمال والحجارة على تلك المحاور، ويطالبون بتخفيض أسعار الوقود وليس فقط عدم زيادتها.
فمن هو مصدر الخطر الحقيقي على مصر، وعلى الثورة؟
هذه هي بدايات برلمان يطلقون عليه برلمان الثورة، quot;غير أخلاقيةquot; ووعيد للشباب من قناة تتحدث بلسان وشكل ديني، وذبيح على أعتاب دار القضاء العالي، وطوابير البنزين والسولار وقطع الطرق، والهتاف لا لحكم العسكر، بدايات عمدها نعيق الغربان.
من يدير الدفة الآن؟ وأين هي إرادة الثورة؟
قالت الأستاذة سها السباعي إن الأزمة هي quot;أزمة إرادة وأزمة إدارةquot;.
واتفق معها، ولكنها ذات الأزمة لدى طرفي المعادلة، هي ذاتها لدى قوى شباب الثورة ولدى القوى المواجهة له.
الإرادات رغم تباينها إلا أنها في جانب الثورة تملك quot;لاquot;، وعندما تضع البديل تتفق وقوى الثورة المضادة، بل وتتعايش معهم، لأن الشعب خارج المعادلة.
والإرادة على الجانب الآخر ترفع ذات الشعارات التي تتحدث بها قوى الثورة تفصيلا، ولكنها تقتل الثورة وتصفي دم الثوار.
لقد خرج كلا الطرفان إلى ساحة القتال دون قوة الحسم الرئيسية طوال الأشهر الماضية، وهي القوى الشعبية صاحبة المصلحة.
وترصد عين الصقر أن 27 مليونا خرجوا لانتخابات المجلس النيابي، وأن شبابا من شباب الثورة حصل على بعض المقاعد، وأنهم كانوا بحالة السيولة التنظيمية يواجهون التنظيمات الدينية وحدهم، وحديث الدين صار بوابة تجميد حركة التغيير بل الأخطر أنه صار البوابة الخضراء للرؤى الأمريكية، بعد أن كشف تقريرا صحفيا نشره رئيس تحرير جريدة الفجر المصرية عن اللقاء المنتظر بين رجل الإخوان القوي quot;خيرت الشاطرquot; ـ الذي أفرج عنه المجلس العسكري من سجنه لأسباب quot;صحيةquot; بعد الثورة ـ وبين الإدارة الأمريكية، كما كان قد نشر من قبل تقريرا تم نفيه في عجالة عن لقاء بين ذات الشخص والمجلس العسكري منذ ثلاثة أشهر، وهذا كله يوضح ما الذي أنتجته بالفعل الفترة الانتقالية التي قاربت العام.
بعد اغتيال السادات ووصول مبارك إلى السلطة، خرجت أقوال جديدة أنه يجب منح الرجل فرصة لأن الظروف حساسة وهي ذات المقولة التي تتردد الآن أنه بعد الغياب لنظام مبارك من الواجب أن نترك الفرصة للتنظيمات الدينية التي لم يؤسسها حسن البنا كما يقولون ولكن أسس أوعية تكوين عناصرها الحالية وبأوامر من أنور السادات كل من محمد عثمان إسماعيل وعثمان أحمد عثمان، وهو الجيل الذي تكون في رحم السبعينيات ويتصدى اليوم للقيادة، وتغييبا لحقائق زمن التكوين الجديد وممارساتهم خلاله، يجري الحديث عن فرصة جديدة لهم، دون أن يتحدث أحد عما يعرضون من رؤية أو تصور يتسق ومطالب الثورة، حتى أن رئيس حزب الحرية والعدالة وأمين الحزب العام قاما بزيارة لرئيس اتحاد الصناعات المصرية صاحب الكويز وربيب جمال مبارك والذي جاء به رشيد محمد رشيد الهارب الآن خارج مصر.
الفرصة التي يطالبون بإتاحتها هي الآن متاحة أمام نظام السادات (منصور حسن وقيادات الإخوان الجديدة) ونظام مبارك (الجنزوري وجهاز الإدارة) وجهاز أمن الدولة الغائب الحاضر (السلفيون)، وبمباركة أمريكية سعودية وبحماية من المجلس العسكري، وكأننا في مصر بعد الثورة نتحرك عكس قوانين المجتمع فبدلا من أن ينتج quot;الجديد من قلب القديمquot; الذي يحمل بذور فنائه، صار أمر عجز الساسة والنخب ينتج quot;القديم من قلب الجديدquot; وينفيه ليبقى، غير مدركين أن عوامل فنائه مازالت قائمة، وستعمل أثرها مهما قاوموا.
قبل أن نبحث في أمر مجلس الشعب القادم والرئيس والدستور، علينا أن نتساءل من هو الذبيح القادم على أعتاب الثورة من شبابها؟ أليس هذا السؤال يحمل من الواقعية أكثر من أحاديث الفرص المتاحة لخليط أعداء الشعب، رغم الفرص الضائعة من الثورة التي قام بها الشعب؟
كسرت ثورة يناير قيودا لا حدود لها، وتجاوزت كل التنظيمات التي كانت والنخب المترهلة، وليس أدل على ذلك من طبيعة تشكيل مجلس الشعب الجديد، ولكن ما يحاول البعض تجاهله أو هو لا يدركه أنها كسرت معادلات الثورة في العالم، وكسرت الشرنقة التي كانت تحيط خيوطها الحريرية أو الحديدية بدور الشباب، وأن الشباب قد وضع شعارا منهجيا بالإضافة إلى نداء الشعب quot;عيش، حرية، عدالة اجتماعيةquot;، وتمثلها الشعار المنهجي أن خيارات الشباب لا تنضوي تحت المنهج التقليدي الذي يوقع صكوك الولاء حتى الانحناء، وأنه لن يوقع أبدا، وأن كل شيء محل النقاش والتقييم، وعلى ذلك فإن المنهج الذي أنتجه يمكن وضعه تحت عنوان quot;استمرار الثورةquot;، سواء كان تجديدا بالتوالي العددي أولى وثانية وثالثة والتي استدعت من القدم من عصر السادات قبل 30 عاما أن يصف المنهج هذا quot;بغير الأخلاقيquot; لأنه منهج في الأساس يقضي بنفيه هو وما يمثله ومن أتى به، أو كان معنى الاستمرار هو مسيرة الشهداء المستمرة.
إن محاولة أخرى غير أخلاقية تستبدل المجلس المنتخب بالحركة الشعبية، أو بالميدان، وهنا يبين الاختلاف المنهجي، فبينما هم يرون أنفسهم بديلا عن الحركة، وبالتالي يدخلون الشباب ثلاجة الجلسات ومقاعد اللجان بالمجلس، إلا أنهم لا يستحون أن انعقادهم يتم خلف أسوار تفصلهم عن الشعب بعضها حجري والآخر من الأسلاك الشائكة، وإذا كانت حكومة للوفد جاءت فوق دبابات الجيش البريطاني، وحكومة العراق جاءت فوق دبابات أمريكية، فإن برلمان 2012 جاء من فوهة بنادق اغتالت الشباب وسحلته واعتقلته وحاكمته عسكريا، وكانوا يشيحون بوجههم بعيدا.
وبالقطع سيتساءل أحدهم ثم ماذا بعد؟ والإجابة بسيطة وليس بها أي تعقيد، أن كل ما يلزم لإحداث التغيير الحقيقي واجب أخلاقي قبل أن يكون مهمة للثورة، وأن تلك الصور المتنوعة لإجهاض الثورة هي بالقطع أبواب إلى مزيد من الانفجار والصراع، وبدلا من أن يكون برلمان الثورة هو مصدر الشرعية، سيكون هو رمز الانقلاب على الثورة، وسيكون محط رمي الجمرات.
النور الذي فجرته ثورة يناير لن يستطيع تحالف الانقلاب على الثورة أن يطفئه، بل سيعمي أبصارهم، ويفتح الباب على مصراعيه لجيل جديد سيحقق التغيير الذي يحتاجه الوطن.