وليد شقير


طالت الأزمة السورية قياساً الى ما شهدته دول عربية عدة في سياق الربيع العربي. ولعل الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لانتفاضة الشعب المصري في 25 كانون الثاني (يناير) هو الذي يوحي بهذا الشعور المفرح بالنسبة الى مصر، نظراً الى سرعة انتقال السلطة فيها، على رغم الثغرات، التي يراها البعض في استمرار إمساك العسكر بالسلطة، والمحبط بالنسبة الى سورية، نظراً الى استمرار غلبة الحل الأمني بعد 11 شهراً من القتل المنهجي.

ومع أنه لا تجوز المقارنة بين مصر وسورية، ولا بين الأخيرة وبين تونس التي احتفلت بدورها قبل أسابيع بمرور عام على الثورة، فإن السؤال المحبط هو: هل أن حل الأزمة السورية يتطلب مرور 18 شهراً أو أكثر فيما استغرق الانتقال بالسلطة في مصر 18 يوماً فقط؟

في مصر انخرطت أداة الحل الأمني، أي الجيش، بالحل السياسي. وفي سورية لا مؤشرات حتى الآن، الى ذلك. فقدرات الجيش السوري ما زالت مسخّرة بالكامل لمصلحة النظام وهذا ما يقود يومياً الى استنزاف المؤسسة العسكرية بالعنف الدموي، وبتعريضها للانشقاقات التي تتراكم.

في سورية، كل ما يقال في السياسة هدفه تغطية الحل الأمني، من دون أن يرف جفن أهل النظام إزاء تناقض أقوالهم. في أوائل الشهر الماضي نفى الرئيس السوري بشار الأسد إصداره أوامر بقمع الاحتجاجات لشبكة laquo;آي بي سيraquo; الأميركية، وقال إنه ليس هو المسؤول عن أعمال القمع، وبالأمس فاخر وزير خارجيته وليد المعلم بالحل الأمني بقوله إنه laquo;مطلب شعبيraquo;.

ومع أن النظام يظلل إصراره على الحل الأمني برفضه التدخل الخارجي، فإن ما يقوم به لا يؤدي سوى الى تبرير المزيد من هذا التدخل، ولو أنه يتخذ شكلاً مختلفاً عن ذلك الذي حصل في ليبيا. ومن كثرة حديث النظام السوري عن أن الأزمة ناجمة عن مؤامرة خارجية، فهو يزيد من ربط الحل ومصيره بالخارج، الى الحد الذي جعله يعتبر أن التطورات الخارجية هي أوراق في يده للدفاع عن النفس، وبحيث يعجز عن إدراك الخيط الرفيع الذي يفصل بين امتلاكه الأوراق في العلاقة مع موسكو وطهران، وبين تعاطي روسيا وإيران مع سورية على أنها ورقة في يد كل منهما، في إطار الصراع الدائر على النفوذ في المنطقة مع دول الغرب. أي أن النظام السوري يتوهم بامتلاكه الأوراق، فيما حلفاؤه يتصرفون على أنهم يمسكون بورقة ثمينة للتفاوض، عبر تحالفهم معه.

لا يخفى على أحد أن حلول الأزمة السورية تنتظر صفقة ثنائية بين روسيا والغرب، وبين إيران والغرب، تتناول أوضاع المنطقة برمتها بمعزل عن سورية من جهة، وتشمل سورية في آخر المطاف من جهة ثانية.

حتى ما قبل الاجتماع الأخير للجامعة العربية، كانت الدوائر المتتبعة لإمكان حصول هذه الصفقة تتصرف على أن البحث بها لم يكن قد بدأ، فهل يشكل قرار الجامعة الأخير إيذاناً ببدء التفاوض عليها؟

وفضلاً عن أن هذا التفاوض سيأخذ وقتاً، يستمر خلاله الحل الأمني في سورية ورقة في أيدي القوى الدولية والإقليمية، فإن المؤشرات إلى السعي لإنضاج بدء التفاوض، تتكاثر. ويشكل الموقف الروسي من قرار الجامعة العربية الأخير مفتاحاً في إطلاق العملية التفاوضية هذه.

ومن هذه المؤشرات أن دول الخليج، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، سحبت مراقبيها من بعثة الجامعة العربية، وهو ما يرمز الى فقدانها الأمل بإمكان صرف النظام النظر عن الحل الأمني، لاقتناعها بأنه أقدر على ممارسة ألاعيب تعطيل مهمة المراقبين التي هدفها الجوهري نقل المعالجات الى المستوى السياسي. وهي من المرات النادرة التي تعتمد الرياض ودول الخليج، التي تتميز ديبلوماسيتها بالبطء والتحفظ والتأني، ديبلوماسية هجومية نشطة منذ شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، فتبادر الى الانتقال بالمبادرة العربية من الدعوة الى تشكيل حكومة برئاسة شخصية معارضة مع استمرار الرئيس الأسد الى آخر ولايته عام 2014، الى تشكيل حكومة تشترك فيها المعارضة، مع نقل الرئيس صلاحياته الى نائبه في المرحلة الانتقالية... وإذا كانت موسكو بررت رفضها تدويل الأزمة بدعوتها دول الغرب الى تأييد المبادرة العربية، فما هو موقفها منها في نسختها الجديدة في ظل بقاء اقتراح أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إرسال قوات ردع عربية الى سورية على الطاولة؟

المؤشر الذي لا يقل أهمية أيضاً، أن إيران تراجعت عن تهديدها بإقفال مضيق هرمز، الذي قال عنه رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم إنه laquo;ملك للعالمraquo;، فيما نجحت الوساطة التركية في تجديد التفاوض الأوروبي مع طهران على وقع العقوبات الجديدة المؤجلة التنفيذ الى أيار (مايو) المقبل.

إذا لم تكن هذه المؤشرات كافية لبدء التفاوض على laquo;الصفقةraquo;، فإن الأزمة السورية قد تستمر أكثر من 18 شهراً.