يوسف الكويليت

تتحرك حلب، فيسقط أي نظام في دمشق، هكذا هو المشهد المعروف زمن الانقلابات السورية، فالعاصمة الاقتصادية هي المحرك الأساسي لنبض دمشق، ولعل ادعاءات السلطة أن المدينتين الكبيرتين هما مع النظام، وأن حشد المليونيات في تأييده يأتي تلقائياً من قلب الشارع، هو ما أخفته الأيام الماضية وانكشف من خلال حصار المدينة بالدبابات وإدخال laquo;الشبيحةraquo; لأحيائها ومحيطها القروي..

حلب وتجارها الذين تعرضوا للوم والانتقاد إلى حد التجريم من قبل الشعب السوري الثائر يعلمون أن هذه المدينة ليست في حالة سبات أو استسلام، بل إن (البازار) الحلبي يعيدنا لذكريات البازار الإيراني الذي أسقط الشاه رغم التحالف بينهما بحدود روابط المصلحة، لكن عندما يتحرك الشعب تتحدد الخيارات بالانحياز له، ولذلك كان التضامن بين العاصمتين التجارية والسياسية..

غوطة دمشق الشرقية، وأريافها التي تشهد قصفاً بالأسلحة الثقيلة والطائرات تعيدنا لسيرة المدن والقرى التي محتها الحروب الكبرى، أو المتوسطة مثل laquo;لينينغرادraquo; ولندن، وبرلين وغيرها، وحديثاً laquo;خُرم شهر الإيرانيةraquo; وlaquo;غروزني الشيشانيةraquo; وألحق بها مدن سورية وقراها من قبل بشار الأسد، وهي الظاهرة التي ستعجل برحيل النظام ليس من باب الآمال الكاذبة بل من باب الحقائق التي تتحرك على الأرض، وتفترض هذه النهايات..

فأمس الأول ظهرت لأول مرة أحزمة من الحرس الجمهوري والأمن تنتشر حول القصر الجمهوري والمطار والمواقع الحساسة في دمشق، ما أثار التكهنات بأن حدثاً غير طبيعي جرى في العاصمة، ولعل الجيش الحر الذي بدأ يأخذ حجم القوة المضادة، وضع السلطة أمام تحولات لا تريد حتى وصول أخبارها للأقربين من النظام، لكن الأمور أصبحت تقرأ بحقائقها، وهنا أصبح النظام يأخذ اتجاه الإبادة الشاملة، وهي حالة اليأس والانتحار من عناصر أصبحت تقيس الأيام بديلاً عن الأشهر، والساعات عن الأيام، والرعب المصاحب للانتقام حدث مع القذافي وlaquo;شاوشيسكوraquo; وكل جبابرة الدكتاتوريات الشمولية، وهو ما يقرر مصير السلطة السورية لاحقاً..

يبقى الموقف العربي الذي سقطت منه الحلول الدبلوماسية، وكل المحاولات الفاشلة، أن يدعم بشكل مباشر، وبدون تردد أو مواربة، عناصر مقاومة النظام بالإمكانات المادية والعسكرية ليضطر عسكر بشار إلى الهروب وبيع الأسلحة، والخروج من قبضة السلطة، وهي سياسات نجحت في ليبيا، وقد تتكرر في سورية، لأن الدعم المباشر هو الوسيلة الناجحة، وأي تقصير سيقوّي النظام، وحلفاءه الإيرانيين والروس، والذين يحاربون معه لأن القبول بإفلاس عسكري إلى جانب الخسارة الدبلوماسية يعني تعريضهما لسخط عربي بدأت بوادره تظهر على السطح، وهو الرهان الذي وصل حد الغباء في مقايضة خاسرة أصلاً..

دمشق وحلب هما المعادلة الصعبة أمام الحكم، فكل منهما قاعدة هائلة اقتصادياً وأمنياً، وبالتالي مجرد انحيازهما للثوار، يعني الاهتزاز ثم السقوط، وبشار الأسد الذي اختار المجابهة على الإصلاح، هو من يُغرق نظامه بالضربات المتتالية، وأهمها على الإطلاق تمرد العاصمتين الكبيرتين..