نبيل بومنصف
هذه المرة، لم يكن الاشتباك بين الرئيس سعد الحريري ورئيس quot;جبهة النضال الوطنيquot; النائب وليد جنبلاط تبادلاً عرضياً بالنيران الشقيقة او صداماً بالمصادفة. ولعلها هنا تماماً نقطة الخطورة التي سيتعيّن معها على الفريقين ان يواجها الفائض الجديد الطارئ من تراكمات محتقنة بدأت تعلو وترتفع في منسوبها منذ تجربة الانفصال الجنبلاطية الثانية عن معسكر 14 آذار عام 2009، مروراً بالثانية في الانقلاب على حكومة الرئيس الحريري، وصولاً الى الثالثة في الصدام الناشئ عقب اغتيال اللواء وسام الحسن.
هذا الخط البياني المأزوم في التراكم كان مساره متجهاً عكس كل ما جرى في الاشتباك الحريري ndash; الجنبلاطي الاخير، مما يعني ان الاشتباك يصح فيه ان يكون حصيلة نيران شقيقة في الشكل، لكن ذلك لا يقلل خطورة ذهابه أبعد من ذلك ان كرّس اشتباكاً في المضمون، اي في الرؤية حيال الآتي من الزمن اللبناني المأزوم. وأخطر ما في مفاعيله وتداعياته ان يمعن تمزيقاً في قواعد الفريقين التي لا تزال ممانعة تماماً حيال اشتباك في هذه الناحية، فيما يجمعها ارث طويل من quot;ثورة الارزquot; على رغم كل الهنات والأخطاء والاستهدافات التي منيت بها هذه الثورة.
وليس أدلّ على هذا السوء الفادح في الاشتباك من ان يكون الحريري وجنبلاط اول من بادرا عقب استشهاد اللواء الحسن الى اتهام النظام السوري باغتياله، ثم ما لبثت تداعيات الاغتيال ان انفجرت في داخل الدار المشتركة والحدود المشتركة والرؤى المشتركة. هذه quot;هديةquot; اكثر من ثمينة للخصوم، أياً كانوا في الداخل والخارج، ولا يعود معها مهماً محاسبة من يتحمل المسؤولية اكثر من سواه. وهو اشتباك خاطئ بكل المعايير بصرف النظر عن اي تبرير من هنا ومكابرة من هناك.
ولا نخال لوهلة أن أياً من الفريقين لا يدرك ذلك. كما لا نخال ان الفريقين لا يعيان تماماً معنى quot;اكلت يوم اكل الثور الابيضquot;، في حين يتحصن الزعيم الجنبلاطي في المختارة منذ ما قبل اغتيال الحسن بمدة طويلة ويمضي الرئيس الحريري اكثر من سنة ونصف سنة في ابتعاده القسري عن لبنان.
موجبات بقاء الحكومة من عدمها، وموجبات التغيير الحكومي الحتمي، ستضحي امام هذا الاشتباك في ضفة مختلفة تماماً كما ستضحي المعادلة quot;المتوازنةquot; القائمة على بيضة قبان هشة عرضة لتبديل خطر لا يملك اي فريق تجاهل آثارها الوشيكة على الشعار quot;المقدسquot; المرفوع لمنع تمدد نيران الازمة السورية على لبنان. ولان لا quot;دوحةquot; ملحوظة وممكنة الآن، ولان اغتيال اللواء الحسن استحضر دفعة واحدة كل مناخ العام 2005 وأخطاره القديمة والحديثة والمضافة، فلن تبرر النيران الشقيقة، مقصودة كانت أم عفوية، التهاون في منع مزيد من الانزلاقات الى المتاريس الخاطئة ومن ثم البكاء وجلد الذات على غرار كثير مما حصل أخيراً.
- آخر تحديث :
التعليقات