إن لبنان يتدحرج إلى ما لا تحمد عقباه... لا أحد يستطيع وضع كوابح لـlaquo;14 آذارraquo; ولـlaquo;8 آذارraquo;. قطاران يسيران بسرعة جنونية على سكة واحدة، وبالاتجاه المعاكس.
يرى اياد ابو شقرا أن الثنائي الشيعي في لبنان ، بفضل سلاحه وعلاقته الاستراتيجية بمحور طهران - دمشق، يتمتع بأفضلية قدرته على الابتزاز الأمني - العسكري، بجانب إغداق ما يدعوه laquo;المال النظيفraquo; في مشاريع النفع العام التي تعزز إمساكه بمقدرات الطائفة الشيعية. في المقابل، بنى laquo;المستقبلraquo; - الحديث العهد في معترك السياسة العقائدية - حضوره حصرًا تقريباً على مشاريع النفع العام بفضل مؤسسات الحريري.
وعلى الصعيد ذاته،يشيرنصري الصايغ الى أن فريقين نقيضين في كل شيء، يتألف منهما لبنان. وتزداد الفرقة بين الفريقين، وقد بلغ الخصام مداه، بحيث إن كل فريق، تحت عباءة النأي بالنفس، يدعم طرفاً من أطراف الصراع في سوريا... 14 آذار مع المعارضة ضد النظام، وضد رأسه تحديداً، وتعمل على إسقاطه كل يوم في لبنان، عبر إعلام ومواقف، لا تشذ قيد أنملة عما تقوم به قوى المعارضة السورية، المدنية والعسكرية، وبكل تلويناتها.. وفريق 8 آذار، مع النظام السوري ومع رأسه بالتحديد، وضد المعارضة بكل تلويناتها. وقد وصل laquo;تورطraquo; الفريقين إلى درجة خطيرة، تنبه لها الكثيرون، قد تفضي إلى نقل الصراع المسلّح إلى لبنان، مرة عبر الحدود، ومرة عبر الأمن، ومرة عبر التسلح...
إياد أبو شقرافي (الشرق الاوسط) : معركة السنة.. أم على السنة.. أم بين السنة
سيذكرني قومي إذا جد جدهم.. وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
أبو فراس الحمداني
مخططو الاغتيال السياسي تتجاوز أهدافهم - عادة - مجرد إزاحة عقبة عن طريق مشاريعهم، بل تدخل في مخططاتهم عناصر مهمة كالتوقيت المثالي للجريمة، وثمنها، والحصيلة المتوخاة منها.
في لبنان وقعت جرائم اغتيال سياسية فظيعة بعد اندلاع الحرب اللبنانية. ومع أن كل اغتيال جريمة بشعة، فإنه يجب التمييز بين laquo;الاغتيال الرسالةraquo; وlaquo;الاغتيال الانتقامي الكيديraquo; وlaquo;الاغتيال الاستراتيجيraquo;. والأخطر بينها هو النوع الثالث الذي يهدف إما لزرع الفتنة أو لإلغاء قوة سياسية فاعلة ومؤثرة على الساحة.
جرائم اغتيال كمال جنبلاط عام 1977، ورفيق الحريري عام 2005، وبيار أمين الجميل عام 2006، ووسام الحسن عام 2012.. من النوع الثالث بامتياز، لأنها تجمع هدف زرع الفتنة وهدف نسف قوة سياسية، وتضم عناصر التوقيت والثمن والحصيلة المتوخاة. وبناء عليه، يتوجب على أي طرف سياسي في لبنان، وكذلك في الدول العربية المهتمة بلبنان، التعقل.. وإدراك خلفيات جريمة اغتيال وسام الحسن التوقيتية والتكتيكية والاستراتيجية.
فليس من قبيل الصدفة التخلص من الحسن مع تسارع إيقاع الواقع السوري، وانكشاف دور جهات لبنانية في القتال مع نظام بشار الأسد، مقابل الدعم الإغاثي والسياسي الذي يقدمه خصوم النظام اللبنانيون.. الذين قرروا التحالف مع الشعب السوري ضد قاتليه.
وليس مستغرباً أن تأتي الجريمة مع العد التنازلي للانتخابات الأميركية بكل ما يحيط بها من تشابكات اعتبارية وخطوات حذرة محسوبة، ومنها إحجام واشنطن عن الزج بنفسها في مستنقع مواجهة شرق أوسطية أثناء الحملة الانتخابية.
ثم إنه، من دون تعجل الاتهام، من الطبيعي أن تبادر إيران التي تتباهى برفع لواء مقاومة الغرب ومواجهة إسرائيل إلى اعتماد مبدأ laquo;الهجوم خير وسائل الدفاعraquo;. وهذا، بالضبط، ما فعلته وتفعله خلال السنوات الأخيرة على امتداد المنطقة.. من العراق والبحرين، إلى اليمن، ومنها إلى السودان ومصر وغزة، وصولاً إلى لبنان وسوريا. أليس منطقيًا أن تفضل إيران خوض معركة نفوذها في laquo;المعادلة الإقليميةraquo; وتقاسم كعكة الشرق الأوسط في شوارع بيروت وجبال اليمن وعلى أنقاض حمص وحلب ودمشق.. بدلاً من الاضطرار إلى خوضها داخل أراضيها؟
وهنا نصل إلى مسألة محورية، هي المسألة الطائفية، وتحديدًا حرص النظام السوري على تصوير حربه ضد شعبه على أنها حرب ضد التطرف الديني. والقصد المكشوف طبعاً هو laquo;التطرف السنيraquo;، خاصة أن الحليف الإقليمي غير laquo;السنيraquo; لنظام دمشق نظام ديني أبعد ما يكون عن العلمانية والانفتاح المذهبي. وبالتالي، من يقرر أيهما أكثر تطرفاً.. أتباع laquo;الأخونةraquo; أو laquo;السلفيةraquo; السنية أم laquo;ولاية الفقيهraquo; الشيعية؟
اليوم، مع استمرار المجازر القمعية في سوريا، سقطت الأسوار وتحولت سوريا في أنظار كثيرين إلى laquo;أرض جهادraquo; مشروع. وبالنسبة للشراذم والجماعات laquo;الجهاديةraquo;، التي تتعرض للمطاردة في عدة أمكنة على امتداد العالم، ها قد توافر لها موطئ قدم.. يكفل لها غايتي الجهاد والاستشهاد. وبصرف النظر عن حجمها الحقيقي على أرض المعارك وثقلها السياسي في صفوف الشعب السوري غدا مجرد ذكر هذه الشراذم والجماعات laquo;ذريعةraquo; يسعى نظام دمشق وحلفاؤه وداعموه إلى تضخيمها وتسويقها.
ونعود إلى لبنان.. في لبنان، منذ 2005، قام تحالفان تكتيكيان فضفاضان للأحزاب والتكتلات السياسية والطائفية، هما laquo;14 آذارraquo; وlaquo;8 laquo;آذارraquo;، على أساسي laquo;القاسم الأدنى المشتركraquo; وlaquo;عدو عدوي صديقيraquo;. ولقد أثبتت التجارب خلال السنوات الأخيرة هشاشة التحالفين لجهة الافتقار للمبادئ الصلبة المفترض أن تكون العمود الفقري المطلبي لأي تجمع سياسي جدي. ولكن كان هناك فارقان بين وضعي التحالفين:
الفارق الأول، وجود laquo;مايستروraquo; مالي وعسكري في laquo;8 آذارraquo; قادر على الضبط والحسم والتجييش والتجيير، بينما يفتقر laquo;14 آذارraquo; لمثل هذا laquo;المايستروraquo;.
الفارق الثاني، التفاوت في قوة التزام المحاور الإقليمية بدعم التحالف المحسوب عليها. فمقابل الرعاية المباشرة لـlaquo;8 آذارraquo; عند القوى الإقليمية المحسوب عليها تخطيطًا وتمويلاً ودعمًا أمنيًا وعسكريًا، لم يرقَ مستوى الدعم الإقليمي والدولي لـlaquo;14 آذارraquo; إلى مستوى الرعاية مطلقًا.
وبعد تفجير النائب ميشال عون وحدة الساحة المسيحية، وتراجع ثقل الكتلة الدرزية لاعتبارات ديموغرافية، غلب على الساحة اللبنانية طابع المواجهة بين laquo;السنية السياسيةraquo; ممثلة بتيار المستقبل، وlaquo;الشيعية السياسيةraquo; ممثلة بحزب الله وحركة أمل. وهذا مع أن الصورة العامة لا تعني أنه لا تعددية ضمن الطائفتين الكبيرتين. فالتعددية موجودة وحاضرة. ومثلما سعى laquo;المستقبلraquo; ويسعى لإحداث اختراق في هيمنة الثنائي الشيعي على ساحته الطائفية، سعى هذا الثنائي ويسعى إلى إحداث اختراق مقابل في الساحة السنية.
غير أن الثنائي الشيعي، بفضل سلاحه وعلاقته الاستراتيجية بمحور طهران - دمشق، يتمتع بأفضلية قدرته على الابتزاز الأمني - العسكري، بجانب إغداق ما يدعوه laquo;المال النظيفraquo; في مشاريع النفع العام التي تعزز إمساكه بمقدرات الطائفة الشيعية. في المقابل، بنى laquo;المستقبلraquo; - الحديث العهد في معترك السياسة العقائدية - حضوره حصراً تقريبًا على مشاريع النفع العام بفضل مؤسسات الحريري.
وبينما احتفظ الثنائي الشيعي بقواعد نفوذه الأمني والخدماتي في بيئته المباشرة، خرجت في الساحة السنية قوى وشخصيات ثرية لها طموحات وارتباطات سياسية، كرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أتاحت لها منافسة آل الحريري في مجال مشاريع النفع العام. وأدى نجاح هذه الشخصيات، ولو موقتًا، إلى اضطرار laquo;المستقبلraquo; أكثر فأكثر إلى مخاطبة الشارع السني بلغة طائفية يتعاطف معها، كإثارة موضوع laquo;استهداف الطائفةraquo; وتحجيم دورها.
ميقاتي رمى بالأمس قفاز التحدي في وجه laquo;المستقبلraquo;، بعدما امتص عنصر المباغتة بإبدائه الاستعداد للاستقالة، ولعل ما دفعه إلى هذا التحدي العلني بضعة أمور:
- الأول، موقف السفراء الأجانب الذين تخوفوا علناً من فراغ في لبنان بغياب الإدارة الحكومية الخاضعة للمساءلة، وسط تعقيدات الأزمة السورية وعلى أبواب الانتخابات الأميركية.
- الثاني، التحدي العلني لمفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني - الذي بات في الخندق المناوئ لــlaquo;المستقبلraquo; - الذي رفض صراحةً الدعوة لإسقاط الحكومة تحت ضغط الشارع، كما رفض البطريرك الماروني السابق نصر الله صفير عام 2005 إسقاط الرئيس الماروني إميل لحود بقوة الشارع، معتبرًا ذلك سابقة تمس مقام رئيس الوزراء السني.
- الثالث، تعجل laquo;المستقبلraquo; وضع كل من يتحفظ عن موقفه في خانة المتآمرين والمتواطئين ضمن محور طهران - دمشق (!) وlaquo;تحالف الأقلياتraquo;، وهو ما ينطبق على رئيس الجمهورية ميشال سليمان والنائب وليد جنبلاط. وهذا ما من شأنه إفقاد laquo;14 آذارraquo; تعاطف جزء لا بأس به من المسيحيين والدروز لا مصلحة لـlaquo;14 آذارraquo; ولا laquo;المستقبلraquo; في خسارته الآن.
- الرابع، أن القوى الإقليمية المناوئة لمحور طهران - دمشق تدرك تمامًا خطورة توقيت اغتيال وسام الحسن، ولذا لم تدعُ مباشرة إلى إسقاط الحكومة، لا سيما أن البنية الأمنية التي تحكم الحالة اللبنانية اليوم لن تتأثر بتغيير رأس الحكومة أو تشكيلها.
لذا، على من يتكلمون اليوم باسم السنة في لبنان ويحرصون على وحدتهم، أن يكونوا أكثر حكمة وحصافة.
وحذار حذار من جعل معركة السنة معركة على السنة، ومعركة بين السنة أنفسهم.
نصري الصايغ في ( السفير ) : بيوت لبنانية بخيانات متبادلة
أي طريق يسلك لبنان، بعد اغتيال وسام الحسن؟
طريق 14 آذار مقفل. مسارب laquo;8 آذارraquo; مغلقة. لبنان يرتطم ولا رصيف يرسو عليه. وكل شيء يرتج.
تكبّدت laquo;14 آذارraquo; عدداً من قياداتها. شهداء أحياء أو موتى، تغير لبنان بعدهم: خرج السوري من الباب، ودخل الدولي من كل الأبواب. انسحبت سوريا، وسقطت حكوماتها في قفص الاتهام. واستبدلت عنجر بعوكر. كأن لبنان الذي كان يسير على عكازين سوريين، استبدلهما بعكازين، واحد فرنسي بتوقيع ايمييه، والثاني أميركي بتوقيع فيلتمان.
البحث عن الحقيقة، حقيقة من خطط وسهل ودعم ونفذ جرائم الاغتيال، وصل إلى حائط مسدود. تعرجت إضبارة الاتهام، وفق رياح السياسة ومصالح الدول. أدخل ضباط لبنانيون إلى السجن، سيقت laquo;البيِّناتraquo; ضد شخصيات، إلى أن رست الإضبارة على اتهام عناصر قيادية من laquo;حزب اللهraquo;.
تراوح مضبطة الاتهام راهنا في الأروقة. تعقد جلسات على أطراف القضية. الشهود لم يمثلوا بعد، المتهمون لن يحضروا، ولن يتمكن أحد من إحضارهم.
laquo;14 آذارraquo;، لها قناعتها المبرمة، بأن القاتل هو من تسميه نتائج التحقيقات، فتبنَّت كل شبهة أو كل اتهام لكل من سمّته هيئة التحقيق الدولية.
ماذا بعد ذلك؟ ماذا بعد سبع سنوات من الارتكاب والدماء؟ لا شيء يشي بأن الأمور تسير إلى خواتيمها الطبيعية، لاستعصاء التئام عناصر التحقيق ومستلزمات المحكمة. لا شيء يصب في منحى تنفيذ الأحكام إذا صدرت.
طريق 14 آذار مقفلة حتى الآن، لأن الطريق لتنفيذ الأحكام التي قد تصدرها المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بحق laquo;كوادرraquo; من laquo;حزب اللهraquo;، مقطوعة. فحزب الله، قطع كل صلة بالمحكمة الدولية، وكل ما يجري فيها لا يعنيه، وأصدر حكماً مبرماً بحقها، ويصنفها أداة لتصفية المقاومة... وعند هذا المقام، تتوقف الأحكام.
ما بين laquo;14 آذارraquo; وlaquo;حزب اللهraquo; إرث ليس بمقدور أحد أن يتجاهله وان يفوز به. هذا إرث مقيّد، وثقيل، ولا طاقة لأحد على احتماله بمفرده، ويستحيل تقسيمه إلى اثنين.
وطريق laquo;14 آذارraquo; مقفلة أيضًا عند حاجز laquo;سلاح المقاومةraquo;. مهما كانت التلوينات الكلامية والاقتراحات المتعرجة، فإن فريق laquo;14 آذارraquo; ضد هذا السلاح، من أوله إلى آخره. ضده في الأساس، لأنه لا يريد أن يكون لبنان ساحة مقاومة في مواجهة اسرائيل، وضد هذا السلاح لأنه يورط لبنان في حروب ومغامرات، وضد هذا السلاح انسجامًا مع laquo;المجتمع الدوليraquo; وقرارات مجلس الأمن، وضد هذا السلاح لأنه مدعوم من إيران، وضد هذا السلاح لأن دول الاعتدال العربي ضده، وضد هذا السلاح لأنه شيعي، وضد هذا السلاح، لأن laquo;أهل فلسطين أدرى بشعابهاraquo;... وأخيراً، هو ضد هذا السلاح، لأنه ثقيل الوطأة على السياسة اللبنانية. فالبلد رهينة هذا السلاح، حتى إذا لم يستعمل، فكيف إذا لوّح بقمصانه السود، أو حلّق بـlaquo;أيوبraquo;.
هنا، الطريق مقفل أيضا. قد يجتمع العالم مرة أخرى، كما فعل عدوان تموز، لمحاربة سلاح المقاومة. والظن يميل إلى استحالة نزع هذا السلاح.
يرفض فريق laquo;14 آذارraquo; التخلي عن laquo;الحقيقةraquo;. ويرفض laquo;العيش في ظل السلاحraquo;. ويقيم تحالفاته الداخلية والخارجية، مع محور إقليمي، شديد الاتصال والامتثال للقرارات الدولية، وفق صيغة تيري رود لارسن (أكثر صهيونية من بيريز) وأصدقائه الدوليين.
الطريق الوحيدة المفتوحة، هي التي انتهجها، بعد اندلاع الثورة في سوريا. لقد تخلف هذا الفريق عن تأييد ثورتي تونس ومصر، ووقف ضد انتفاضة البحرين، ولكنه بات laquo;محارباًraquo; من خلف الحدود، بكل ما يمكله من إعلام ومواقف، وما يتوافر له من دعم إنساني وإسكاني، وما تيسر له من عتاد يعبر التخوم وخطوط التماس الحدودية مع سوريا.
الطريق إلى السلطة ليست مستحيلة. ما هو مستحيل بعد اليوم هو قيام سلطة.
أما فريق الثامن من آذار. فلا حول ولا... كل الطرق الداخلية مقفلة أمامه. كل طرقه الخارجية مقطوعة، أكانت مع laquo;ربيع الاخوانraquo; أم مع فصول الممالك والامارات العربية الثابتة والراسخة. طريقه الوحيدة السالكة بالاتجاه السوري فقط، مع ما يقتضيه هذا العبور من مخاطر والتباسات وارتباكات ومحاولات إقناع، لا تجد من يقتنع بها، غير فريقه الملتزم، ومن هم على ضفافه.
فريق الثامن من آذار، وتحديداً laquo;حزب اللهraquo;، المنصرف باستمرار إلى تنمية قدراته العسكرية والقتالية لتصبح أكثر تفوقاً، يعرج في الداخل، وكلما خطا خطوة، كدّس خسارة فوق خسائر سابقة. ولم ينجح في نسج شبكة أمان سياسي. وlaquo;حكومتهraquo; عالة عليه وعلى اللبنانيين.
فكيف يمكن لفريقي الصراع أن يلمّا لبنان؟ كيف لفريق يفترض أن خصمه يتآمر عليه مع أميركا والمجتمع الدولي، أن يتفق على خطوط سياسية مع فريق 14 آذار الذي يفترض ويؤكد، أن laquo;شريكهraquo; متآمر عليه مع النظام السوري، ويهدد قياداته وكوادره بالتصفية؟
من يستطيع أن يرتكب هذه المعجزة؟ هذان فريقان نقيضان في كل شيء، يتألف منهما لبنان. وتزداد الفرقة بين الفريقين، وقد بلغ الخصام مداه، بحيث إن كل فريق، تحت عباءة النأي بالنفس، يدعم طرفاً من أطراف الصراع في سوريا... 14 آذار مع المعارضة ضد النظام، وضد رأسه تحديداً، وتعمل على إسقاطه كل يوم في لبنان، عبر إعلام ومواقف، لا تشذ قيد أنملة عما تقوم به قوى المعارضة السورية، المدنية والعسكرية، وبكل تلويناتها.. وفريق 8 آذار، مع النظام السوري ومع رأسه بالتحديد، وضد المعارضة بكل تلويناتها. وقد وصل laquo;تورطraquo; الفريقين إلى درجة خطيرة، تنبه لها الكثيرون، قد تفضي إلى نقل الصراع المسلّح إلى لبنان، مرة عبر الحدود، ومرة عبر الأمن، ومرة عبر التسلح...
ان لبنان يتدحرج إلى ما لا تحمد عقباه... لا أحد يستطيع وضع كوابح لـlaquo;14 آذارraquo; ولـlaquo;8 آذارraquo;. قطاران يسيران بسرعة جنونية على سكة واحدة، وبالاتجاه المعاكس.
قيل: لبنان بجناحيه. يجب أن يقال: لبنان بمعسكريه. وليست هي المرة الأولى... وقد تكون الآخرة وليس الأخيرة. لأن ما يجري في المنطقة، هو في حجم إلغاء أنظمة وجماعات ودول. فهل ينجو لبنان؟
مجنون من يفكر بخلاص. عاقل من يحلم به، بشرط أن يكون قبل فوات الأوان. الحديث عن حكومة وفاق وطني، مستحيل، قبل ان توضع جانبًا كل المعضلات الكبرى الواردة أعلاه، وهذا من مستحيل المستحيلات. فلا laquo;حزب اللهraquo; سيتخلى عن بشار الأسد، ولا 14 آذار، بما لها ومن معها في الخارج، يقبل بالانسحاب من معركة يظنها رابحة، لإطاحة رأس النظام في سوريا.
بالأمس، استشهد وسام الحسن. هو لم يكن الأول، ويصعب التأكد من أنه سيكون الأخير. لبنان هذا، عرفناه في حروبه المتناسلة ما بين 1975 و1990. لقد اغتيل من قياداته الكثير. وقتل من شعبه عشرات الآلاف، تحت شعار، laquo;كي يحيا لبنانraquo;. مات لبنان مع من مات، وأعطونا laquo;لبنانًاraquo; آخر، وصل بعد عشرين عاماً، إلى حافة الهاوية والموت.
لا يمكن أن تعود الحياة، شبه الطبيعية، إلى لبنان، إلا إذا رفع شعار laquo;عفا الله عما مضىraquo;، من جرائم واغتيالات وغبن ومؤامرات. تماما، كما فعل، في laquo;اتفاق الطائفraquo;، وأدخلت laquo;الميليشياتraquo; كلها إلى سلطة ممسوكة من أطراف اقليمية متصالحة وأطراف دولية ذات مصالح.
إلى أن يحين ذلك الموعد قد يبقى لبنان.. أو قد لا يبقى. بقاؤه رهن إرادة خارجية، وتغيره وتبعثره رهن إرادات داخلية، لا يلجمها رادع إقليمي أو دولي.
كل الطرق مقفلة.. ولبنان يرتطم.
التعليقات