بسام البدارين

لا أعرف بلدا ترفض بعض نخبه قصيرة النظرالإعتراف بالوحدة الوطنية وقوة الجغرافيا والناس كبلدي الأردن.
ولا أعرف كائنا بشريا يرفض تحت حجج واهية وذرائع من الوزن الخفيف الإلتحاق بالمسجد الأقصى وبأطهر بقاع الأرض فلسطين الحبيبة كما يفعل بعض بني قومي.
مثل هذه المفارقات تجدها فقط في الأردن حيث يؤمن بعض من يتصدرون الواجهة من قصار النظر بأن الفلسطيني يمكنه وتحت أي لافتة القبول بوطن بديل وبأن الأردني ينبغي أن يفكر بالأردن فقط ويفكك كل إرتباطاته الجغرافية والسياسية والبشرية والوجدانية بالضفة الغربية.
نغمات نشاز برزت مؤخرا في أجواء عمان فكرتها ببساطة إقتراحات تتجول هنا وهناك بالتآلف والتوحد مع بقاع فلسطين الطاهرة يوما ما ..بعض الموتورين يرفضون الفكرة من حيث المبدأ ويطالبون بدسترة فك الإرتباط دون أدنى إهتمام بدسترة حق العودة.
هؤلاء يريدون بإختصار عدم الإعتراف بأن المؤسسات الرسمية الأردنية منعت ومنذ عام 1948 اللاجئين الفلسطينيين من التعبير عن هويتهم الفلسطينية وبنفس الوقت يحرمون على الأردني من أصل فلسطيني المطالبة بالمواطنة في الأردن.
يطبقون قاعدة المثل الشعبي القائل { رغيف لا تقسم ومقسوم لا تأكل وكل حتى تشبع}.
وفقا لقواعد هؤلاء ينبغي تحويل نصف الشعب الأردني إلى {جالية} في بلاده دون تحمل أدنى مسؤولية أخلاقية عن ضياع الضفة الغربية وعن تحويل أهلها قسرا إلى مواطنين أردنيين تتفنن المؤسسة البيروقراطية والأمنية لاحقا بتعذيبهم وسحب جنسياتهم ومراقبة حتى انفاسهم.
ووفقا لنفس المنطق البائس ينبغي على الأردني من أصل فلسطيني أن لا يطالب بإعادة أرضه ولا يطالب بنفس الوقت بحقوقه السياسية كمواطن أردني وأن يقبل بالإرتباط وتفكيكه مع الضفة الغربية متى شاءت السلطة الأردنية وكأن المسألة لعبة أو كأس من الشاي يمكن دلقها ثم إعادتها إلى الإبريق حسب المزاج.
على فئة عريضة من الأردنيين وأبنائهم وأحفادهم أن يدفعوا ثمن ما يعتبره البعض قرارا إداريا خاطئا للحكومة الأردنية عام 1949 إستمر بخطأ آخر عام 1988 .
هؤلاء ليسوا جزءا من التعبير السياسي في الأردن ولا يستيطعون بنفس الوقت التعبير عن هويتهم الوطنية الفلسطينية.
وكل الذين ينتجون أطنانا من الضجيج يوميا بإسم الوطنية الأردنية يطالبون يوميا بدسترة فك الإرتباط وتثبيت حق العودة لفظيا دون أدنى مطالبة للدولة الأردنية بالقيام بواجباتها الأخلاقية والقانونية في إعادة الضفة الغربية التي أحتلت وهي أرض أردنية.
ودون أدنى موافقة على السماح للفلسطيني في الأردن بالتعبير عن حلمه بالعودة أو حتى بالتخطيط لذلك.
ودون أدنى إهتمامات موازية بالدعوة إلى دسترة حق العودة.
يحصل ذلك فيما لا يقول لنا دعاة الوطنية لماذا لا يضغطون معنا على الدولة الأردنية حتى تستخدم سفارتها في تل أبيب لدعم مطالب ملايين الأردنيين الفلسطينيين الذين يسعون للحصول على تصريح إحتلال لتثبيت حقوقهم في الأرض والمكان.
إنها متوالية هندسية من إثارة الرعب وتخويف الناس أصبحت حرفة بحد ذاتها بالنسبة للبعض دون أن يفهم هؤلاء بأن الإصرار على إلصاق صفة {بائس} بنصف الشعب الأردني عبر حرمانه من حقوقه الأساسية يخدم في الواقع مخططات العدو الصهيوني ويضعف الجبهة الداخلية الأردنية فالبائس الجاهل الفقير المعوز لا يقاتل ولا يقاوم بل يساوم ويقبل بأي حلول تفرض عليه لاحقا بما فيها التوطين.
إفقار الأردنيين من أصل فلسطيني وتأنيث تمثيلهم البرلماني والسياسي ومنع التعليم الجامعي عن أولادهم وإقصاؤهم عن الوظائف وتهديد جنسياتهم سياسات لا يمكنها إلا أن تكون حمقاء ليس فقط لإنها تعيق التنمية وتهدد الإستقرار الإجتماعي كما يقول عالم الإجتماع الدكتور إبراهيم عثمان ولكن لانها تقدم للصهيونية النموذج الأمثل لتركها تبرطع في بلادنا والتخصص في مطاردة وملاحقة ضحاياها.
هذه السياسات لا تقود إلى حق العودة ولا تحرر المسجد الأقصى ولا تؤدي لتثبيت الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني الشقيق ولا تحسم أمرا في الصراع العربي الإسرائيلي بقدر ما تضعضع الأوضاع في الأردن وتنتج كميات إضافية من المواطنين البؤساء المهمشين الذين يسهل على العدو والقوى الدولية الكبرى المؤيدة له إختراقهم.
هذه سياسات تنطوي على جدع للأنف وتكريس للتمييز الذي يتسرب منه الخصوم والأعداء فالمستوطنات المتربعة على جبال نابلس وفي ضواحي الخليل والقدس ليس هدفها {إخضاع} فلسطين فهي خاضعة ومحتلة.
ولكن هدفها اللاحق بالعرف الصهيوني وكما يقول الشاعر الصديق خيري منصور إخضاع جبال عمان لإن إسرائيل لا زالت توسعية إستيطانية تحلم بالسيطرة على شرق الأردن وهو ما يقوله اليوم مهندس إتفاقية وادي عربة الرئيس عبد السلام المجالي.
العلم والمعرفة والثقافة هما الطريق الحقيقي للتحرير ولتثبيت حق العودة أما الفقراء والبؤساء والذين يتعرضون للإقصاء فلا يساهمون بإنقاذ الأردن او فلسطين ولا بالتصدي للمشروع الصهيوني.
وليس من مصلحة لا النظام ولا الشعب في الأردن تحويل نصف الشعب بسياسات إدارية حمقاء تحمل شعار {أردنة} كل شيء إلى نصف قلق متوتر مهووس بلقمة الخبز ويقضي السنوات متسولا على أعتاب البيروقراطية مقابل نصف آخر مرتاب بالنصف الأول.
هذه شعارات لا تقود للمستقبل ولا تقود لتحرير شبر من فلسطين ولا تؤمن مستقبلا لأصغر طفل في البادية الأردنية أو في مخيم.. المواطنة وحدها تفعل ذلك وتهزم إسرائيل ومشروعها في نفوس الناس والعدالة وحدها تؤطر الإنتاج والإنصاف يصنع المعجزات.
التوطين وقع عليه في إتفاقية وادي عربة وفي بندها الثامن رئيس وزراء حكومة المملكة الأردنية الهاشمية وليس دعاة الإصلاح والمواطنة في عمان والتطبيع تقوم به مؤسسات رسمية وحكومية والتنسيق الأمني والإقليمي قائم بين العدو والحكومة الأردنية ومخيمات الأردن تغني للعودة ولفلسطين كل صباح ولا مجال للمزاودة على أبسط لاجىء فيها.
على هذه الدعاية المجانية والتعبئة السلبية المدعومة من بعض المستويات والأجهزة والتي تخدم المشروع الصهيوني أن تتوقف فلا مجالات حيوية أمامها للنمو والشعوب لم تعد رعاعا ولا حتى رعايا حتى تصدق الأكاذيب التي تطرح عليها كل مساء.
وإسرائيل في الواقع ليس لها مصلحة بالوطن البديل لإنها تذوب في ثناياه الديمغرافية والجغرافية وتصبح إحتمالية صمودها أصعب فهي مشروع لم يكن منجزا ولن يكتمل وما تفعله بين الحين والأخر هو فقط إبقاء الأردنيين والفلسطينيين في حالة قلق عبر شحن النقاش الداخلي بمشروخة الوطن البديل..تلك حصريا مصلحة المشروع الصهيوني فقط التخويف من الوطن البديل.