خيرالله خيرالله

أن تغلق السلطات التابعة للنظام السوري مكاتب laquo;حماسraquo; بالشمع الأحمر وسام على صدر laquo;حماسraquo;. الاكيد أن الحركة حصلت على الوسام بفضل انتهازيتها وليس بسبب تمسّكها بالمبادئ. استفادت قدر ما تستطيع من النظام السوري في عملية استهدفت تغيير طبيعة المجتمع الاسرائيلي نحو الاسوأ. ولمّا وجدت أنه لم تعد لها مصلحة في البقاء في دمشق، تخلت عن النظام وانصرفت الى البحث عما تقتات منه في اماكن اخرى.
على خلاف laquo;حزب اللهraquo; اللبناني التابع لايران، اظهرت الحركة أن ليس في استطاعتها الذهاب الى النهاية في دعم نظام يحتقر الشعب الفلسطيني ويعتبره مادة يمكن الاتجار بها لا اكثر. كان يفترض بـlaquo;حماسraquo;، لو كانت صادقة مع نفسها ومع شعبها فعلا، اتخاذ مثل هذا الموقف منذ فترة طويلة وألا تنجر خلف نظام يعتبر القرار الفلسطيني المستقل laquo;بدعةraquo;، على حد تعبير الرئيس الراحل حافظ الاسد.
اكثر من ذلك، كان عليها التصرف منذ سنوات طويلة من منطلق أنها رضيت التحالف مع نظام لا همّ له سوى ضرب المشروع الوطني الفلسطيني. لو كانت laquo;حماسraquo; تمتلك الحد الادنى من الشجاعة لكانت اعتذرت من الشعب الفلسطيني عن كلّ ما ارتكبته في حقه منذ نفّذت حرفيا ما كان مطلوبا منها ايرانيا وسورّياً وحتى اسرائيليا، بما في ذلك انشاء كيان مستقلّ في قطاع غزّة لقطع الطريق على احتمال قيام دولة فلسطينية تضمّ الضفة الغربية والقطاع...
يتمثّل المشروع الوطني الفلسطيني في البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي اقرّ في دورة المجلس الوطني الذي انعقد في الجزائر في نوفمبر من العام 1988. الى اشعار آخر، لا وجود لمشروع وطني فلسطيني آخر غير البرنامج الوطني القائم على حلّ وعلى ان القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية. انه الحل الواقعي الذي ترفضه اسرائيل التي وجدت في laquo;حماسraquo; خير حليف موضوعي لها. تحالفت الحركة، التي ولدت من رحم الاخوان المسلمين، مع النظام السوري والايراني لمواجهة المشروع الوطني الفلسطيني وعرقلته وادامة حال اللاحرب واللاسلم في المنطقة التي تخدم النظامين في سورية وايران واليمين الاسرائيلي.
كيف كان ذلك؟ لا يمكن في اي وقت وتحت اي ظروف تجاهل العمليات الانتحارية التي نفّذتها laquo;حماسraquo; منذ بدأ تطبيق اتفاق اوسلو الموقّع في العام 1993. أدّت تلك العمليات الى تعطيل عملية السلام، خصوصا بعدما اغتال متطرف اسرائيلي يدعى ييغال عمير رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين الذي كان يدعو الى الرد على التطرف والمتطرفين في الجانبين العربي والاسرائيلي عن طريق متابعة عملية السلام.
انهى المتطرفون الاسرائيليون، الذين باشروا شن عمليات ارهابية استهدفت اتفاق اوسلو، عملية السلام. هناك ارهابي اسرائيلي قتل مصلين فلسطينيين في الحرم الابراهيمي في الخليل بعيد اتفاق وسلو. وهناك ارهابي آخر اغتال رابين وهناك عمليات انتحارية لـlaquo;حماسraquo; استهدفت مدنيين في القدس وحيفا وتل ابيب وهرتسيليا ومواقع اخرى من اجل تبرير ما ينادي به اليمين الاسرائيلي. يرفع هذا اليمين شعار أن لا وجود لشريك فلسطيني في عملية السلام. المؤسف أن الاسرائيليين عموما صاروا يصدّقون هذا الشعار ويؤمنون به بفضل الانجازات التي حققتها laquo;حماسraquo; مع شريكيها السوري والايراني.
هل هناك من يريد أن يتذكّر عملية ناتانيا التي نفّذتها laquo;حماسraquo; في مارس 2002 من اجل افشال القمة العربية التي انعقدت في بيروت والتي اقرّت فيها مبادرة السلام العربية بمبادرة من الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي كان وقتذاك وليّا للعهد؟ في الساعة التي كانت القمّة تقرّ مبادرة السلام العربية، كانت هناك عملية انتحارية استهدفت مدنيين اسرائيليين في عطلة يقضونها في ناتانيا في مناسبة الفصح اليهودي. كان الهدف واضحا كلّ الوضوح. كانت مطلوبة التغطية على المبادرة العربية ونسفها.
في السنة 2012، حلّت ساعة الفراق بين laquo;حماسraquo; والنظام السوري. نفّذ كلّ من الطرفين اللذين يستأهل كلّ منهما الآخر ما عليه. بات في استطاعة laquo;حماسraquo; الانصراف الى التنكيل بالشعب الفلسطيني في غزة، خصوصا أن هدفها تغيير طبيعة المجتمع وليس زوال الاحتلال.
وبات في استطاعة النظام السوري الانصراف الى التنكيل بالشعب بحجة أن السوريين يرفضون البقاء عبيدا لديه واسرى شعاراته المضحكة - المبكية من نوع laquo;المقاومةraquo; وlaquo;الممانعةraquo;. نسي النظام السوري فلسطين والفلسطينيين منذ فترة طويلة. لم يعد يرى فيهم سوى مجموعة سنّية اخرى ترفض الرضوخ له. ولذلك، لابدّ من ازالتها من الوجود في اقرب وقت واسرع الوسائل واكثرها وحشية. بالنسبة الى النظام السوري، لم يقدّر الفلسطينيون الخدمات التي قدّمها لهم بأن جعل منهم، في مرحلة معيّنة، ادوات في الحرب التي شنها على لبنان واللبنانيين تمهيدا لفرض وصايته على الوطن الصغير!
ادى كلّ من الجانبين قسطه للعلى. حصل ذلك على حساب فلسطين والفلسطينيين. لم يعد في استطاعة الرئيس الفلسطيني السيد محمود عبّاس (ابو مازن)، الذي سدّت في وجهه كلّ المنافذ السياسية، سوى اللجوء الى قول كلام عن laquo;حق العودةraquo; اقلّ ما يمكن ان يوصف به أنّه كلام سياسي معقول في توقيت غير مناسب اطلاقا... بل غير معقول!
ارتكب laquo;ابو مازنraquo; من حيث يدري، او لا يدري، خطأ سياسيا. ربّما كان ذلك عائدا الى حال اللاتوازن التي يمرّ فيها الفلسطينيون في ظلّ الضغوط الاقتصادية والسياسية التي يتعرّضون لها، وهي ثمرة من ثمار الحرب التي شنّها على قضيتهم عرب وغير عرب، اولئك الذين لم يكن لديهم في وقت همّ آخر غير المتاجرة بها.