عبدالله إسكندر


يوم قرر رئيس الحكومة العراقي نوري المالكي تشكيل ما سمّاه laquo;قيادة عمليات دجلةraquo;، بذريعة التطورات السورية وقيام laquo;الجيش الحرraquo; بهجمات على الحدود الشمالية مع العراق، كان واضحاً ان هذا القرار يتعلق بالتوتر مع اقليم كردستان. ولم تكن التطورات السورية سوى الغطاء لرفع سقف التحذير المركزي لقيادة الاقليم.

صحيح ان كثيراً من القضايا لا تزال عالقة بين الاقليم وحكومة المالكي، خصوصاً قضية كركوك واستغلال الثروة النفطية. هاتان المسألتان اللتان تثيران التوتر المباشر بين الجانبين، نظراً الى ما تنطويان عليه من جانب سياسي يتعلق بمطالبة الاقليم بإلحاق كركوك به انطلاقاً من ارتباط قومي. وأيضاً نظراً الى ما تمثله على مستوى الانتاج النفطي، وتالياً على مستوى الازدهار الاقتصادي الحالي في الاقليم.

لكن وراء هاتين المسألتين المهمتين جداً بالنسبة الى الجانبين، ثمة قضية ثالثة تحكم التعامل المركزي معهما. وهي صورة الحكم المركزي في فهم المالكي، وما تنطوي عليه من كيفية تعامل مع الاقاليم عموماً، وإقليم كردستان خصوصاً.

فعلى رغم الدستور الاتحادي الذي يعطي الأقاليم حقوق ادارة شؤونها وتقاسم الثروات مع المركز، اعتمد المالكي نهج محاولة تطويع هذه الادارة لمقتضيات سياسته. وهو، وإن أفشل مساعي اقامة اقاليم اخرى في العراق، معروف عنه عرقلة عمل المحافظين وإخضاعهم الى الادارة المركزية في الشؤون المحلية. وإذا كان يبدو من المستحيل للمالكي اعادة النظر في وضع اقليم كردستان، من وجهة دستورية، من دون المغامرة بحرب جديدة مع الاكراد، فإنه حاول ان يخضع سلطاته الى القرار المركزي، في سعي الى الالتفاف على الدستور الاتحادي.

فمع معركة شد الحبال مع أربيل في شأن الملف النفطي والتهديدات المتبادلة بإجراءات مالية وإدارية، عمدت بغداد بمبادرة من المالكي الى رفع سقف التسلح عبر صفقات مع روسيا، رآها معظم المراقبين خارجة عن سياق السياسة التسليحية للجيش العراقي، خصوصاً لجهة السعي الى حيازة سلاح جوي، تعتبره اربيل عنواناً لنيات مبيتة في تجربة القوى بينهما.

فهذه الخطوة التي قد تبرر بضرورة تزويد الجيش العراقي أعتدة متطورة لمواجهة تقلبات الاوضاع المتدهورة في المنطقة، لم تكن لتطمئن قيادة الاقليم التي كانت عمدت بدورها الى تسليح قواتها laquo;البيشمركةraquo; بالعتاد الثقيل من دبابات ومدفعية. وعندما دفعت اربيل laquo;البيشمركةraquo; الى المنطقة المتنازع عليها في كركوك، بات واضحاً انها في صدد الرد على التحدي الذي وضعها امامه المالكي، عبر laquo;عمليات دجلةraquo;.

الجانبان اللذان وصلا الى حافة الهاوية تراجعا حالياً، بفعل ضغط اميركي واضح. لكن لا شيء يضمن عدم تجدد المشكلات وتصعيدها، خصوصاً ان النهج العام للمالكي في التعاطي مع القضايا الداخلية اساساً، والاقليمية عموماً، يظهر تفرداً بالحكم واستهتاراً بالمكونات السياسية الاخرى في العراق. وما دام يستطيع ان يبقى مركز الثقل الشيعي، بدعم ايراني، لن يقدم على التنازلات الضرورية لتطبيق الدستور الذي يتمثل احد اوجه انتهاكه بالعلاقة المتوترة مع اقليم كردستان دائماً، بالتزامن مع توتر مستمر لعلاقته مع المكونات السياسية والطائفية الاخرى التي يعتبر انها ينبغي ان تكون مجرد تابع له.

في هذا المعنى، تتعلق الازمة بين بغداد وإقليم كردستان حالياً بكيفية الفهم والتعامل اللذين يبديهما المالكي في طريقة حكمه، خصوصاً لجهة تطبيق الدستور بنصه وروحه. وإلا لكان امكن، مع بعض الصعوبة بالتأكيد، التفاهم مع قيادة اقليم كردستان، عبر تطبيق المادة الدستورية في ازمة كركوك وإيجاد حل تفاوضي لمسألة النفط. لكن، يبدو حتى الآن ان مثل هذه النيات غير متوافرة لدى المالكي الذي يبدو احياناً غير معترف بالإقليم وسلطاته.