القدس العربي
اذا صحت الانباء التي نقلتها وكالة انباء رويترز العالمية من ان الانتفاضة الشعبية وصلت الى مدينة حلب ثاني اكبر المدن السورية، فان مهمة النظام السوري في السيطرة على الوضع في البلاد ستكون صعبة للغاية، لان هذه المدينة التي تعتبر مركزا اساسيا للطبقة الوسطى ورجال الاعمال ظلت بمنأى عن الاحتجاجات، طوال الاشهر العشرة الماضية.
النظام السوري ظل يؤكد طوال الاشهر الماضية ان اكبر مدينتين سوريتين اي العاصمة دمشق ومن ثم حلب اتسمتا بالهدوء، والولاء له، وايد الكثير من المراقبين والزوار هذه المسألة، ولكن هذا لا يعني ان المناطق الريفية المحيطة بالمدينتين كانت هادئة ايضا، بل على العكس من ذلك تماما، فقد شهدت احتجاجات ومواجهات دموية بين المحتجين من جهة وقوات الامن والجيش من جهة اخرى.
الطبقة الوسطى التي تضم في العادة التجار والنخب الاقتصادية وكبار الحرفيين تنحاز دائما الى مصالحها، وغالبا ما تكون هذه المصالح اقرب الى الانظمة الحاكمة، ولكن عندما تتضرر هذه المصالح فان الوضع يختلف، وتبدأ حالة التأييد او الوقوف على الحياد، تتآكل مع الوقت.
سورية تواجه حاليا عقوبات اقتصادية طاحنة، وعزلة دولية خانقة، وبدأت هذه العقوبات المفروضة امريكيا وعربيا واوروبيا تعطي ثمارها المرة من حيث التأثير على السكان وظروفهم المعيشية، وحدوث شح في الكثير من المواد الكمالية والاساسية معا، والقادمون من سورية يتحدثون عن نقص كبير في المازوت، وغياب سلع اساسية من المحلات، علاوة على ارتفاع فاحش للاسعار عائد الى ارتفاع نسبة التضخم، وفقدان العملة السورية لاكثر من نصف قيمتها.
العراق واجه ظروفا مماثلة ادت الى هروب الطبقة الوسطى الى دول الجوار العربي، خاصة سورية والاردن، الامر الذي انعكس سلبا على البلاد واقتصادها ومفاصل الدولة والمجتمع في آن، فبدون طبقة وسطى متماسكة وقوية تتضعضع الدورة الاقتصادية، وتتراجع الخدمات الاساسية من تعليم وصحة ومواصلات وكهرباء ومياه.
السلطات السورية تحارب الآن على جبهات عديدة في الوقت نفسه، اولها، جبهة الانشقاقات في الجيش العربي السوري، وانضمام المنشقين تحت لواء الجيش السوري الحر وانخراطه في مواجهات مع الجيش النظامي، وثانيها كيفية السيطرة على الاوضاع الاقتصادية ومنع انهيار الليرة، وثالثها الحرب الاعلامية الشرسة التي تقودها فضائيات تنحاز بالكامل الى الانتفاضة الشعبية وتحرض على المزيد من الاحتجاجات.
من الصعب اطلاق اي تكهنات حول مدى قدرة النظام السوري على الانتصار في هذه الجبهات المتعددة، وهو لا يملك نفطا ولا ودائع خارجية، ويعتمد على حلفاء مثل ايران يواجهون ظروف حصار اقتصادي امريكي مماثلة، لكن من السهل التنبؤ بان هذا الانتصار ليس سهلا او مضمونا على الاطلاق بالنظر الى التحالف العربي الرسمي والغربي الذي يعمل بجهد كبير، ويوظف الكثير من الاسلحة المالية والاعلامية الجبارة لتحقيق هدفه في تغيير النظام.
الاحتجاجات اقتربت منذ اسابيع من ابواب العاصمة دمشق، وسيطرت قوات تابعة للجيش السوري الحر على بعض المناطق المحيطة مثل الزبداني وحرستا ودوما وغيرها، نجحت قوات الجيش العربي السوري الرسمي في استعادتها لاحقا، وكون هذه المناطق سقطت في ايدي القوات المناوئة للحكومة ولو لبضعة ايام فان ذلك فأل سيىء للسلطات السورية، ومما يزيد من سوئه ايضا تفجر احتجاجات، او اقترابها بشكل اكبر من العاصمة التجارية والصناعية حلب.
- آخر تحديث :
التعليقات