جهاد الخازن

هل هناك وصفة سحرية تحمي الميديا بأنواعها من بطش الحكومات وتحمي المواطنين من بطش الميديا؟

لن أدّعي أنني أعرف الجواب، فما أعرفه أن صحافة بلادنا تعمل تحت سيطرة رقابتين، حكومية وذاتية، وأن الصحافة الغربية تستغل حريتها لتعتدي على حريات الناس. وقد رأينا جريدة laquo;نيوز أوف ذي وورلدraquo;، وهي أكثر صحف الأحد انتشاراً في لندن، تغلَق بعد ثبوت تنصُّت مراسليها ومخبرين سريين يعملون لحسابها على هواتف المشاهير وبريدهم الإلكتروني، واعتُقل في التحقيق مع مؤسسة ميردوخ، التي تملك الصحيفة، بضعة عشر مسؤولاً ومراسلاً، كما اعتُقل شرطي وأربعة من محرري laquo;الصنraquo; الصادرة عن المؤسسة نفسها، بعد ثبوت رشوة رجال الشرطة لتوفير معلومات سرية للصحيفة، بل إن هناك تحقيقاً في أن الصحيفة تتنصّت على مخابرات وزير بريطاني. واقترحت لجنة الشكاوى الصحافية فرض غرامات مالية على الصحف التي تنتهك مواثيق المهنة.

كنت أراجع آخر تفاصيل تحقيق لجنة اللورد ليفسون منذ تموز (يوليو) الماضي في انتهاكات صحف لندن حريات الناس، عندما وقعت على آخر مؤشر للحريات الصحافية في العالم، وهو يصدر كل سنة عن جماعة laquo;مراسلون بلا حدودraquo; التي بدأت العمل في فرنسا سنة 1985. المؤشر يضع في مراكزه العشرة الأولى فنلندا، ثم النروج، وأستونيا، وهولندا، والنمسا، وآيسلندا، ولوكسمبورغ، وسويسرا، وكاب فيردي، وكندا والدنمارك. هذه الدول وغيرها في شمال أوروبا، تظهر أيضاً في رأس قوائم الشفافية و(عدم) الفساد والحريات وغيرها.

لاحظتُ أن الدول العظمى، أو تلك التي تملك فيتو في مجلس الأمن، تتباين مراكزها في قائمة الحريات الصحافية، فبريطانيا في المركز 28، وبعدها فرنسا (38)، ثم الولايات المتحدة (47)، وروسيا متخلفة عنها الى المركز 142، في حين أن الصين قرب نهاية القائمة كلها، فهي تحتل المركز 174 في قائمة تضم 179 دولة، الأخيرة بينها إريتريا.

ما هي مواقع الدول العربية في القائمة؟ مرة أخرى الترتيب يعكس الى حد ما ترتيبَها في مؤشر الفساد، فالمواقع الأفضل تحتلها دول الخليج الصغيرة، ففي مؤشر الحريات الصحافية، تأتي الكويت أولى بين الدول العربية، ورقمها 78، وبعدها لبنان (93) - متخلفاً بمرتبة واحدة عن اسرائيل (92) -، ثم الإمارات العربية المتحدة (112)، وقطر (114)، وعُمان (117).

ترتيب الدول العربية الأخرى هو: الجزائر (122)، والأردن (128)، وتونس (134)، والمغرب (138)، والعراق (152)، والأراضي الفلسطينية (153)، وليبيا (154)، والمملكة العربية السعودية (158)، ومصر (166)، والسودان (170) والبحرين (173)، وسورية (176) ndash; وهي وراء ايران (175) وقبل تركمنستان (177) - .

القائمة ليست وحياً سماوياً، وهي عرضة للخطأ، فأنا لا أفهم كيف تتقدم ناميبيا (20) على بريطانيا، والنيجر (29) على فرنسا.

كذلك لا أعتقد أن نيكاراغوا والمالديف وسيشل وغينيا-بيساو والسنغال وأرمينيا أكثر حريةً صحافية من الكويت، التي تمارس صحفها حريتها الى درجة تجعل المواطن يطلب حماية منها.

أيضاً أرى أن صحافة مصر ولبنان والبحرين تستحق مواقع متقدمة، ففيها درجة عالية من الحرية الصحافية، ما جعل الصحف الخاصة في مصر تنافس الصحف القومية، وما لم تفلح الحرب الأهلية في تغييره في لبنان. ولعل موقع البحرين تأثر بالمشاكل مع المعارضة هناك، فقد كان موقعها أعلى في سنوات سابقة.

أتكلم فقط عمّا أعرف، فأتجاوز دولاً عربية لست على ثقة من معلوماتي عن مدى الحرية الصحافية فيها. والموضوعية تقضي أن أسجل أن سقوط الولايات المتحدة 20 درجة في سنة واحدة لتصبح في المرتبة 47 غير مفهوم البتة.

مع ذلك، مؤشر جماعة laquo;مراسلون بلا حدودraquo; مرجع موثوق به، ولعلنا نرى مواقع عربية أفضل نتيجة للحريات التي أطلقها ربيع العرب.