نبيل بومنصف

شكلت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي سابقة في تاريخ الحكومات لجهة ضمها خمسة وزراء من مدينة طرابلس يتقدمهم رئيسها، ومع ذلك لم يضرب ابن المدينة الا من بيت ابيه في يومي زيارته لفرنسا، ففتحت في خلفية استقبال الرئيس الفرنسي له امام الاليزيه البؤرة التاريخية بين باب التبانة وجبل محسن في استحضار تقليدي لتحريك quot;الحضورquot; السوري النافذ حيال أي تحرك لبناني خارجيا او خارجي تجاه لبنان.
قبل ميقاتي والمجموعة الوزارية الطرابلسية الحالية، نغصت البؤرة نفسها على رئيس الحكومة السابق زعيم تيار quot;المستقبلquot; سعد الحريري مصالحة وصفت بانها تاريخية ايضا، وها هي تتحرك على ايقاع الزمر الميليشيوية هازئة بكل التواقيع والمواثيق والتعهدات.
ومع ميقاتي والحريري وسائر فعاليات المدينة ونوابها والوزراء والاحزاب وجموع الفقراء والاثرياء والما بين بين، سخرت هذه البؤرة العاصية على تقلبات الزمن من جيش يكابد الامرّين في لعبة استخباراتية خبيثة لا يقوى على الامساك بخيوطها اي جهاز، وانْ فعل فلا حول ولا طول له امام شبح الفتنة النافث بلهبه كأنه الوعيد المتربص بالجيش الذي يحاذر حسما يعرف كيف يطلق شرارته ولا يأمن كيف يصل الى خواتيمه.
والانكى من سائر السوابق هذه المرة، ان الجيش يجد نفسه في مواجهة خطر زاحف عبر الحدود الشمالية، حيث الحقائق تضيع بين المزاعم عن حجج وذرائع تبرر للجيش السوري حشدا على الحدود، وخطر تفجر البؤرة في نزاع مذهبي مقيت في عاصمة الشمال.
ولئلا تضيع البوصلة في متاهات شارع سوريا او على تخوم وادي خالد، لا ننسى المشاغلة الاسرائيلية المباغتة للجيش على الحدود الجنوبية ايضا حيث استفاقت القوات الاسرائيلية فجأة على زرع علامات جدار الفصل بين quot;الخط التقنيquot; وquot;الخط الازرقquot;.
مفاد ذلك باختصار ان مشاغلة الجيش دفعة واحدة شمالا وجنوبا، مع ما سيفرضه ذلك عليه من تشتيت عديده وألويته، ليس امرا عابرا، وسط تقاطع تزامنات تحمل شبهة شديدة الخطورة. ولم يكن مرة حلف الفتنة الداخلية والانتهاكات السيادية الا نذير استهداف للنسيج اللبناني.
والحال ان لا خطر انتهاك سوري للحدود الشمالية او عبث اسرائيلي بالحدود الجنوبية يضاهي هذه البشاعة المتصاعدة من بؤرة طرابلس، حيث يستعيد اللبنانيون مشهدا مقززا للزمر الميليشيوية quot;على عينك يا تاجرquot; في وضح النهار مقرونا بخطاب هابط quot;لأمراءquot; باب التبانة وبعل محسن المستعجلين نقل quot;بابا عمروquot; وكوارثه الى المدينة. وقطعا لا لزوم لسؤال عن دولة وحكم وحكومة وquot;قرار سياسيquot; قبل وقوع المحظور بل مجرد سؤال ساذج: هل من يعرف شيئا عن تلك quot;المجاهلquot; الفقيرة ومن يتحكم بزمرها ومن يوظفها؟