خيرالله خيرالله

كشفت احداث الاسابيع القليلة الماضية التي شهدت مزيدا من الوحشية التي يمارسها النظام السوري في المواجهة القائمة مع شعبه، اهمية ما تمرّ به سورية. تكمن هذه الاهمية في الدور الذي يقوم به الشعب السوري من اجل استعادة حريته وكرامته وحقوقه المشروعة بصفة كونه شعبا ينتمي الى ثقافة الحياة اوّلا واخيرا وليس الى ثقافة الموت والبؤس التي يسعى الى فرضها نظام اكل الدهر عليه وشرب يعتقد انه قادر على ان يكون استثناء في هذا العالم.
كان laquo;المؤتمر الدولي لاصدقاء الشعب السوريraquo; الذي استضافته تونس اخيرا خطوة في اتجاه دعم الثورة السورية، امّ الثورات العربية من دون منازع. هذه الثورة لا يمكن ان تنتهي الاّ باطاحة النظام العائلي- البعثي الذي استعبد السوريين وابتز العرب تحت شعارات laquo;وطنيةraquo; فارغة لا علاقة لها بالواقع، لا من قريب ولا من بعيد. كانت لمؤتمر تونس ايجابيات كثيرة في مقدّمها الاعتراف بـ laquo;المجلس الوطنيraquo; المعارض كـ laquo;ممثل شرعي للسوريين الساعين الى احداث تغيير ديموقراطيraquo;. ربما جاء هذا الاعتراف متأخّرا. ولكن ما يبقى ما هو اهمّ من ذلك بكثير انّ كلّ الهيئات والمجموعات السورية المعارضة، وكلّ المؤتمرات التي عقدت، عجزت على الآن عن ان تكون في مستوى التضحيات التي يقدّمها الشعب السوري العظيم في مواجهة آلة القتل الجهنمية التي يمتلكها النظام. تلك الآلة التي ليس لديه بديل منها عندما يتعلّق الامر بالتعاطي مع الشعب السوري. خَبر المواطن اللبناني ذلك طويلا. وخَبره الفلسطيني وما زال يختبرُه الى اليوم، خصوصا الفلسطيني المقيم في سورية او في لبنان...
لا شكّ ان المجتمع الدولي مقصّر مع الشعب السوري. في مرحلة معيّنة، جاء من يطلب من العرب، باسم المجتمع الدولي، اخذ المبادرة والوقوف صراحة في وجه الجرائم التي يرتكبها النظام السوري يوميا. حصل ذلك. اتخذت مجموعة من الدول العربية موقفا واضحا. ذهب الامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي الى حدّ القول: laquo;هذا النظام انتهى ويجب ان يسقط طوعا او قهرا، فهو لم يعد نظاما سياسيا بل تحوّل الى سلطة احتلالraquo;. سبق للملك عبدالله بن عبد العزيز ان اتخذ موقفا في غاية الوضوح من النظام السوري، خصوصا في المكالمة الهاتفية التي اجريت بينه وبين الرئيس السوري ديميتري ميدفيديف.
من الواضح ان العرب، باكثريتهم الساحقة، على استعداد لتوفير الغطاء من اجل اقدام المجتمع الدولي على عمل ما يصبّ في تخليص الشعب السوري من براثن نظام لا يؤمن سوى بالغاء الآخر. وقد فعل ذلك مع خصومه السياسيين في الداخل منذ اليوم الاوّل لتوليه السلطة قبل اثنين واربعين عاما وفعل ذلك في لبنان حيث عانت المناطق كلّها من وحشيته وقدرته على ممارسة العنف من دون حسيب او رقيب. اغتال على مدى السنوات الخمس والثلاثين الماضية عددا لا بأس به من اهم الزعماء اللبنانيين وسعى الى شرذمة كل الطوائف مع تركيز خاص على المسيحيين اوّلا، ثم على السنّة والدروز. ولم يتوقف في اي وقت عن تدجين الشيعة، حتى بعدما وضع laquo;حزب اللهraquo; الايراني يده على ابناء هذه الطائفة الكريمة وحوّل معظم ابنائها الى موظفّين لديه يستخدمهم في ترويع اللبنانيين الآخرين!
تردد المجتمع الدولي، على رأسه الولايات المتحدة، في الذهاب بعيدا في دعم الشعب السوري وذلك على الرغم من ان العرب قدّموا كلّ المطلوب منهم. يفترض بمثل هذا الموقف ألا يجعل العرب عموما يشعرون بالاحباط. على العكس من ذلك، يؤمل منهم متابعة الضغط واتخاذ المواقف الواضحة في شأن كلّ ما له علاقة بسورية. لماذا ذلك؟ لسببين في غاية البسطة. يتمثّل السبب الاوّل في ان الواجب يدعو الى استعادة سورية الى الحضن العربي الحضاري البعيد عن اي نوع من التعصّب والعنصرية. سورية، لا بدّ ان تستعاد بكلّ مكوّناتها، بعربها واكرادها والارمن فيها، بالسنّة والمسيحيين والعلويين والدروز والاسماعيليين. سورية هذه، هي سورية الماضي المشرق والمستقبل الواعد وليس laquo;سورية الاسدraquo; او ما شابه ذلك، اي سورية التي انتهت مستعمرة ايرانية وجرّت لبنان معها الى هذا الموقع جرّا. امّا السبب الآخر الذي يفترض به ان يحمل العرب على الاستمرار في اتخاذ المواقف الواضحة والشجاعة فهو الشعب السوري نفسه. هذا الشعب اتخّذ قراره وقّرر التخلص من النظام الذي لم يكن لديه همّ آخر سوى افقاره واذلاله. لا يمكن الاّ الرهان على الشعب السوري الذي قرّر السير الى النهاية في ثورته وتحمّل ما لا يستطيع اي شعب آخر تحمّله.
مثل هذا الرهان على الشعب السوري، رهان على مستقبل عربي افضل، بعيدا عن اي نوع من الطائفية والمذهبية والعنصرية والمتاجرة بالعرب والعروبة ارضاء لاسرائيل بكلّ ما تمثله في محيطها. فاسرائيل تمثّل الدولة العنصرية بامتياز، اضافة الى الرغبة في الهيمنة والوصاية على الشعب الفلسطيني من جهة وتكريس احتلالها للارض العربية من جهة اخرى. الم يحاول النظام السوري في مرحلة ما تكريس وصايته على لبنان تحت عناوين شتى لو لم يتصدّ له اللبنانيون من كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق على الرغم من كلّ الدعم الذي وفّرته له ايران؟
في النهاية، لا يمكن للرهان العربي على الشعب السوري الاّ ان يكون في محله نظرا الى ان كلّ تجارب التاريخ القديم والحديث اثبتت ان ليس في استطاعة اي نظام، مهما بلغت به الوحشية، إلغاء شعبه!