عبدالنبي العكري


أتيحت لي الفرصة لرصد التحضيرات ومراقبة الانتخابات الرئاسية اليمنية المبكرة، التي أجريت يوم الأربعاء (21 فبراير/ شباط 2012)، ثم رصد النتائج المترتبة عليها وتفاعلاتها يمنياً وخليجياً ودولياً.

وخلافاً للاهتمام الدولي بالانتخابات اليمنية سواء من قبل الدول الغربية والكبرى والاتحاد الأوروبي والمنظمات الأهلية الدولية المعنية بالانتخابات والعملية الديمقراطية، فقد لوحظ غياب أو ضعف الحضور العربي رسمياً وأهلياً في هذه الانتخابات، باستثناء مراقبة محدودة من قبل مجلس التعاون الخليجي، وباعتقادي فإن هذا خطأ جسيم. ويبرر البعض ذلك بأن هناك مرشحاً واحداً، وأن النتيجة معروفة سلفاً، ولكنهم لا يدركون مغزى أن تجرى أول انتخابات حرة خلال عقود يترتب عليها إنهاء حكم استبدادي طال 33 عاماً، وتدشين مرحلة انتقال لحكم ديمقراطي تعددي، على رغم أن هناك مرشحاً توافقياً وحيداً.

من أجل الإحاطة بأجواء الانتخابات قررت أن أوزع الأسبوع الذي قضيته في اليمن على أهم مدينتين تمثلان قطبي التجاذب السياسي، وهما عدن وصنعاء.

كانت البداية في عدن لمعرفة أجواء مقاطعة الانتخابات الرئاسية ومن ثم مقاطعة العملية السياسية التوافقية برمتها، استناداً إلى مبادرة مجلس التعاون الخليجي، والتعرف على أطراف ما يعرف بالحراك الجنوبي في عدن.

تصادفك الشعارات المتنوعة على الحيطان وغالبيتها تطالب laquo;باستعادة دولة الجنوب ورحيل الاستعمار الشماليraquo;، وبعضها يذهب بعيداً للتبرؤ من اسم اليمن، طارحاً دول الجنوب العربي، وراسماً علم دولة laquo;اتحاد الجنوب العربيraquo;، الذي أنشأته بريطانيا قبل سنتين من رحيلها، وسقط تحت ضربات ثورة 14 أكتوبر/ تشرين الأول بقيادة الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل. كما تصادفك أعلام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي اندمجت مع الجمهورية العربية اليمنية في 22 مايو/ أيار 1990 لتشكل دولة الوحدة، الجمهورية اليمنية. ولا تخطئ العين ولا الأذن الشعارات الحادة في تأكيد الهوية الجنوبية، ووصم أخوتهم في الشمال اليمني بعبارات عنصرية مثل laquo;الدحابشةraquo;، والدحباشي هو شخصية مهبولة في أحد المسرحيات.

الرغبة عارمة لدى الجنوبيين نخباً وجماهير، بمن فيهم من استقروا في المحافظات الشمالية بما فيها صنعاء في استعادة هويتهم وكيانهم ودولتهم، بحنينٍ طاغٍ إلى الماضي، وعواطف جياشة في تناقض مع كره شديدة للحاضر، وشرور دولة الوحدة، بل ورفض مبدأ الوحدة والتأكيد على هوية شعبين مختلفين.

يتبلور ذلك فيما أضحى يعرف بالحراك الجنوبي، والذي بدأ كحركة للضباط والعسكريين المسرّحين أو المجمّدين في 2007 بعد الحرب الأهلية في 1994، لكن تطور إلى حركة سياسية واسعة استقطبت جماهير واسعة وقيادات تاريخية في الداخل والخارج، ولها حالياً صحفها ومحطاتها الفضائية وتعقد مؤتمراتها، وتقيم جماعاتها ومسيراتها. وهناك إجماع فيما بين مختلف أجنحتها أن حرب 1994 قد وضعت حداً للوحدة الطوعية بين عدن وصنعاء، وكرّست هيمنة أو استعماراً شمالياً للجنوب، لكن هناك تباينات وتيارات في الحراك الجنوبي ولكل رموزه وتسمياته:

1 - تيار يدعو إلى فك الارتباط كلياً مع الشمال، واستعادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ويتزعمه في الداخل حسن بالموم، وفي الخارج على سالم البيض، المقيم حالياً في بيروت، نائب الرئيس علي صالح في دولة الوحدة من 1990 حتى الحرب الأهلية 1994، ورئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية المستعادة نظرياً لبضعة أيام خلال الحرب الأهلية. ويدعم هذا التوجه أيضاً سلاطين ومشايخ أو أبناؤهم وأحفادهم، والذين عادوا إلى مناطقهم بعد أن كنستهم ثورة 14 أكتوبر، وألغت السلطنات والمشيخات ووحّدتها. وهناك طبعاً تنظيم القاعدة بزعامة أنور العولقي الذي رعاه على عبدالله صالح، ثم انقلب عليه، كما انقلبت قاعدة وطالبان أفغانستان ضد الأميركان. وهناك تنظيم الجهاد وتنظيم أنصار الشريعة بزعامة طارق الذهب الذي قتل في صراع داخلي.

2 - تيارٌ يدعو إلى بقاء دولة الوحدة في إطار اتحاد فيدرالي من دولتين، بحسب التقسيم السابق للوحدة في 1990، ويمثّل هذا الاتجاه في الخارج الرئيسان الجنوبيان اللدودان السابقان على ناصر محمد وحيدر العطاس وعدد من الرموز في الداخل.

3 - تيار استعادة اتحاد الجنوب العربي، الذي خلقته بريطانيا كاتحاد لأكثر من ثلاثين سلطنة ومشيخة ومستعمرة عدن، وبدستور الاتحاد ويقوده شكري.

4 - اتحاد فيدرالي من أكثر من إقليمين مستنداً في ذلك إلى وثيقة العهد والاتفاق التي وقعت في عمان أثناء الحرب الأهلية.

هذه الاتجاهات الأربعة وخليط منها لا تعترف بالمبادرة الخليجية وتبعاتها وما يترتب عليها، وبالتالي لا تعتبر نفسها معنية بالعملية السياسية التوافقية الجارية ولا بحكومة الوفاق الوطني ولا بانتخابات الرئاسة، وقد دعت إلى مقاطعتها. وهناك بعض المنتمين إليها، إضافة للقاعدة ممن استخدم العنف والقوة لمنع الانتخابات. وهم على استعداد لعقد مفاوضات ما بين ممثلين عن الجنوب وممثلين من الشمال ممن يقرون بحق الجنوبيين في فك الارتباط، وقد أوضح ذلك على ناصر وحيدر العطاس أثناء مؤتمر القاهرة الأخيرة.

5 - تيار مع الثورة الجارية والتحول الديمقراطي يصحح مسار الوحدة وأخطاءها، وخصوصاً الظلم الذي لحق بالجنوب، وإعادة تأسيس الوحدة على قاعدة اللامركزية والديمقراطية، والحريات العامة والمواطنة المتساوية والتوزيع العادل للثروة، والتداول السلمي للسلطة.

لقد تداخل وتكامل الحراك الجنوبي مع حركة الشباب في الساحات في المدن الجنوبية الكبرى (عدن والمكلا ولحج والضالع وغيرها)، بحيث سرى الاعتقاد أن حركة الجنوب اندمجت مع حركة الشمال في ثورة واحدة. لكن الذي حدث هو أن معظم قيادات الساحات في الجنوب هم من حزب الإصلاح الذي ارتبط بالمجازر والانتهاكات والاضطهاد والنهب في الجنوب. ومن هناك حدث الافتراق إلى حد حرق مخيمات الساحات في عدن والضالع.

وإلى جانب الحراك الجنوبي، هناك طبعاً أحزاب الطيف اليمني مثل المؤتمر وأحزاب اللقاء المشترك، لكن أقواها حالياً حزب الإصلاح. وهناك ازدواجية في الانتماء للحراك الجنوبي السلمي الوحدوي وبعض أحزاب المشترك وخصوصاً الحزب الاشتراكي اليمني.

وعلى رغم هذه التركيبة المعقدة والدعوة لمقاطعة الانتخابات وتخويف الناخبين، ومهاجمة بعض المقار الانتخابية، فقد ذهب الكثيرون في الجنوب إلى الانتخابات ولكن بنسبة أقل بكثير من الشمال.