خيرالله خيرالله

كلّ ما يمكن فهمه من كلام الرئيس باراك اوباما في شأن ايران، ان الرئيس الاميركي لا يزال يؤمن باعطاء فرصة للجهود الديبلوماسية. وقد تلقف مرشد laquo;الجمهورية الاسلامية في ايرانraquo; السيد علي خامنئي ذلك. جاء موقف اوباما في وقت كان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يدعو من واشنطن الى حسم موضوع البرنامج النووي الايراني عسكريا. بدا واضحا ان حبل الود مفقود بين باراك اوباما ورئيس الوزراء الاسرائيلي. لم يكن اللقاء الاخير بينهما في البيت الابيض سوى دليل آخر على ذلك. تبين ان كلّ ما يريده laquo;بيبيraquo; هو الحصول على غطاء اميركي في حال اتخذت اسرائيل قرارا بتوجيه ضربة الى ايران بهدف تعطيل برنامجها النووي. يشير الى ذلك قوله: laquo;لن ادع شعبي ابدا يعيش في ظلّ التهديد بالزوالraquo;.
في الواقع ان حبل الود بين اوباما وlaquo;بيبيraquo; مفقود منذ زمن طويل، اي منذ دخول اوّل رئيس اميركي اسود الى البيت الابيض لممارسة مهماته مطلع العام 2009 وعودة نتنياهو الى موقع رئيس الوزراء في الوقت ذاته تقريبا. استطاع laquo;بيبيraquo; تسجيل نقاط ثمينة على اوباما الذي كان سبق له ان اكّد للمسؤولين العرب الذين التقاهم في صيف العام 2008، قبل انتخابه رئيسا، انه لن يترك القضية الفلسطينية عالقة، بل سيضعها في اولوية الاوليات مباشرة بعد عبوره بوابة الرئاسة. ذهب الى حدّ القول لرئيس السطة الوطنية السيد محمود عبّاس في لقاء بينهما في رام الله انه لن ينتظر اواخر الولاية الثانية من عهده كي يباشر التركيز على فلسطين. كان يوجّه انتقادا مباشرا الى سلفه جورج بوش الابن الذي لم يجد وقتا للتعاطي الجدّي مع القضية الفلسطينية الاّ في الاشهر الاخيرة من ولايته الثانية والاخيرة!
في كلّ اللقاءات التي جرت بين اوباما وlaquo;بيبيraquo; حاول الاوّل فرض اجندته على رئيس الوزراء الاسرائيلي. فشل في ذلك الى حدّ كبير، خصوصا بعدما تبين ان رئيس الوزراء الاسرائيلي يمتلك في واشنطن دي.سي وسائل ضغط لا يستطيع ساكن البيت الابيض الوقوف في وجهها. على الرغم من ذلك، لم ييأس اوباما واستطاع ان يجعل laquo;بيبيraquo; يعلن انه يقبل بـlaquo;حل الدولتينraquo;. قال ذلك من دون التزام مرجعية واضحة للسلام، اي حدود العام 1967 والخطوط التي كانت قائمة قبل حرب حزيران من تلك السنة. تمكّن رئيس الوزراء الاسرائيلي من افراغ كلامه عن الدولة الفلسطينية من اي مضمون من منطلق ان الوقت يعمل لمصلحته وان هناك شيئا اسمه التفاوض من اجل التفاوض يسمح لإسرائيل بفرض امر واقع جديد على الارض بشكل يومي...
حلّت السنة 2012 وكان اللقاء الاخير بين الرجلين قبل حلول موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية في نوفمبر المقبل. كان لافتا، ان في الجانب العلني من اللقاء وان في التصريحات التي تلته، الغياب الكامل لاي اشارة الى فلسطين والنزاع العربي- الاسرائيلي. لا كلام الا عن ايران.
بدا وكأن ايران اطاحت القضية الفلسطينية عن طريق برنامجها النووي من جهة والتصريحات التي يطلقها زعماؤها بين الحين والآخر عن ازالة اسرائيل من الوجود من جهة اخرى. هل من خدمة تقدّم الى laquo;بيبيraquo; اكبر من هذه الخدمة؟
قلّة من العرب تنبّهت الى هذا الواقع ومدى خطورته. على رأس الذين تنبهوا الى ذلك، منذ فترة طويلة، كان الاردن.
ليس صدفة ان يتوجّه وزير الخارجية السيّد ناصر جودة الى رام الله لعقد لقاء مع الرئيس الفلسطيني والبحث في ما يمكن عمله هذه الايّام. جاءت الزيارة بعد ثلاثة ايّام من اجتماع اوباما- نتنياهو في البيت الابيض وبعد جهود اردنية استهدفت اعادة الفلسطينيين والاسرائيليين الى طاولة المفاوضات من منطلق ان لا طريق اخرى للتوصل الى تسوية. ما فعلته الاردن ليس جديدا. فالمملكة تعمل منذ سنوات طويلة من اجل تحقيق تسوية عادلة تستند الى قرارات الشرعية الدولية مبنية على قيام دولة فلسطينية laquo;قابلة للحياةraquo;. انها مصلحة اردنية وعربية عبّر عنها الملك عبدالله الثاني قبل خمس سنوات تماما في خطابه التاريخي يوم السابع من مارس 2007 امام مجلسي الكونغرس.
في ذلك الخطاب التاريخي ذكّر العاهل الاردني الاميركيين بأنّ القضية الفلسطينية لا تزال laquo;لبّ المسألةraquo; وانّ laquo;أمن كل الامم واستقرار الاقتصاد العالمي مرتبطان مباشرة بالنزاع الشرق اوسطيraquo;.
كان الخطاب الملكي الاردني في عهد الرئيس بوش الابن. تغيّرت امور كثيرة في المنطقة والعالم وفي واشنطن دي. سي نفسها. ما لم يتغيّر هو الخط الثابت الذي تلتزمه تلك الجهة العربية التي لا تزال تعمل من اجل المحافظة على الاولويات بعيدا عن كل انواع التطرف اكان اسرائيليا او عربيا او ايرانيا. لا يختلف اثنان على انّ البرنامج النووي الايراني يشغل العالم، خصوصا اذا اخذنا في الاعتبار السياسات التي تتبعها طهران والتي تصبّ في اتجاه اثارة كل انواع الغرائز الطائفية والمذهبية في المنطقة على حساب كلّ ما هو عربي فيها. هناك على الاقلّ من يسعى الى كسر هذه الحلقة المقفلة التي لا تخدم، للاسف الشديد، سوى اسرائيل والسياسة التوسعية لنتنياهو الساعي الى تكريس الاحتلال وتشريد الشعب الفلسطيني مرّة اخرى.
انتصر رئيس الوزراء الاسرائيلي على الرئيس الاميركي ام لم ينتصر. المهمّ بقاء صوت عربي يسمّي الاشياء باسمائها ويتحرك بطريقة عملية تؤدي في ختام المطاف الى تذكير كلّ من يعنيه الامر انه بغض النظر عن خطورة السياسة الايرانية، يفترض عدم تجاهل ان تحقيق السلام في المنطقة انطلاقا من فلسطين هو افضل ردّ على التطرف والمتطرفين والحلف غير المقدس الذي يجمع بينهم!