محمود الريماوي
بدأ سباق الترشيح لانتخابات رئاسة الجمهورية منذ العاشر من مارس/ آذار الجاري، استعداداً لإجراء الانتخابات في الأسبوع الأول من يونيو/ حزيران المقبل . السباق بدأ ساخناً، وأسماء المرشحين تتدافع . فرصة رئيس توافقي تتراجع ولم تكن في الأصل فرصة قوية، فالتوافق المسبق بين المرشحين مستحيل، وبين هؤلاء والمجلس العسكري لا يقل صعوبة، فالمصريون (بمزاجهم الراديكالي الحالي) لن يبددوا فرصة عظيمة لاختيار رئيس لهم بملء إرادتهم، ولعلها المرة الأولى في تاريخهم التي تتاح لهم فيها هذه الفرصة الثمينة .
وسائل الإعلام المصرية بمختلف أنواعها، والتي تزايدت وتكاثرت مع الثورة وبعدها، تواكب هذا الحدث الذي يستقطب اهتمام أوسع قطاعات الجمهور . هناك مرشحون غير جديين وفرصهم شبه معدومة، لكن الفرصة متاحة لمن يرغب في المشاركة ثم في بالانسحاب إذا حصل على تأييد 30 عضواً من مجلسي الشعب والشورى، وتوقيع 30 ألف مواطن يقيمون في 15 محافظة .
هناك مرشحون تم تداول أسمائهم منذ أن تنحى الرئيس السابق عن الحكم، ومن هؤلاء محمد البرادعي، عمرو موسى، حمدين صباحي، عبدالله الأشعل، أيمن نور، هشام بسطاويسي . وهناك من ترددت أسماؤهم في الأشهر الأخيرة، ومنهم: عبد المنعم أبو الفتوح، مجدي أحمد حسين، محمد سليم العوا، كمال الجنزوري، أحمد شفيق، أبو العز الحريري، صلاح أبو إسماعيل، بثينة كامل وآخرون كثر . وبين هؤلاء أربعة إسلاميين .
ومع الإدراك بأن نسبة كبيرة من المرشحين يفتقدون أي فرصة للفوز كونهم من الوجوه الجديدة غير المعروفة في الشارع المصري، ولم يسبق لهم أن شاركوا في الحياة العامة أو في مجريات ثورة 25 يناير، فهناك في المقابل أكثر من عشرة مرشحين يمتلكون حظوظاً في الفوز، وككل انتخابات، خاصة حين لا تقوم على أساس حزبي، فإن المفاجآت تبقى منتظرة، فلا أحد يعلم على وجه اليقين ماذا ستكون عليه خيارات الناخبين في أعماق الريف وفي هوامش المدن المكتظة . على أنه واستناداً لخبرة الانتخابات النيابية الأخيرة، فمن الواضح أن للإسلاميين بأجنحتهم الثلاثة: الإخوان والسلفيون والمتصوفة، نفوذاً اجتماعياً كبيراً يتغلغل في الريف وهوامش المدن، كما في البيئات المحافظة والمتدينة في قلب المدن بما فيها العاصمة .
من هنا فإن التساؤل: ماذا إذا فاز إسلامي في انتخابات الرئاسة؟ لا يخلو من وجاهة . هذا بالطبع مع أهمية عدم الانسياق إلى التهويل بقوة الاسلاميين، ولكن أيضاً مع عدم التهوين بهذه القوة، أو التقليل من أثر الدافعية الشديدة لهؤلاء في التحرك والعمل، بعد نحو ستة عقود من ارتكاب الأخطاء ومن الحجب والعسف الذي لحق بهم . بينما تحِفّ بمرشحين آخرين ذوي مكانة طموحاتٌ فردية، وحضور متفاوت بين شرائح الطبقة الوسطى والعليا من المجتمع، وانقطاع عن البيئات الشعبية .
بهدف بلوغ حالة من التوازن بين السلطات الثلاث، فإن المصلحة المباشرة والبعيدة لمصر والمصريين، تتمثل في صعود رئيس غير إسلامي يحقق التوازن مع مجلسي الشعب (النواب) والشورى ذوي الأغلبية الإسلامية ومع الحكومة التي ستنبثق عن هذا المجلس بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وسكون صورة أخرى للمجلسين المنتخبين وهو ما لجأ إليه إسلاميو النهضة في تونس، بعد أن حققوا فوزاً كاسحاً في الانتخابات النيابية، حيث توافقوا على اختيار رئيس غير إسلامي للبلاد، ليبرالي ذي نزعة يسارية (المنصف المرزوقي) من أجل تقديم صورة مُقنِعة للتعددية في عهد الثورة، ومخاطبة سائر شرائح المجتمع وطمأنتها . غير أن هناك في مصر كما هو بادٍ من يفكر بطريقة أخرى، بعدما اكتشف أن الديمقراطية ليست بذلك السوء، فلا يرتضي بغير اللجوء إلى صناديق الاقتراع والاحتكام إليها أياً كانت النتائج . وهذا ما هو مرشح للحدوث في مصر بعد أحد عشر أسبوعاً من الآن .
وهكذا فإذا قُدّر لعبدالمنعم أبو الفتوح القيادي الإخواني الذي ترشح بخياره الشخصي لا الحزبي، ووضَعَ جماعة الإخوان أمام الأمر الواقع بأن يختاروا ldquo;أخاًrdquo; لهم، أو مرشحاً آخر، أن يحظى بفرصة الفوز، هو أو محمد سليم العوا الأكاديمي الإسلامي المستقل وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أو حتى مجدي أحمد حسين أمين عام حزب العمل ووريث شقيقه المفكر المرحوم عادل في قيادة الحزب المحظور في عهد مبارك . . إذا حدث مثل ذلك في مصر المحروسة، فليس لأحد حينها أن يدعي التفاجؤ بما حدث . إذ يكفي ما تم التعبير عنه من مفاجأة كبرى بصعود السلفيين إلى المركز الثاني بعد الإخوان في انتخابات مجلسي الشعب والشورى . . وكأن تسنّم الإخوان المركز الأول هو من طبيعة الأمور غير القابلة للرد، ومن منطق الأشياء الذي لا يصمد أمامه منطق آخر . أما صعود السلفيين فهو وحده مفاجأة المفاجآت .
أيا كان الأمر، فانتخابات الرئاسة في مصر حدث كبير ومفصلي، وانعكاساته على الإقليم والمنطقة ستكون عميقة الأثر، والحياة السياسية المصرية في الفترة المتبقية على إجراء الانتخابات تقف أمام تحديات جدية وهي تكاد تشبه مختبراً زاخراً بالحركة لقياس اتجاه التفاعلات بين عناصر مختلفة، والقوى الحية المؤمنة بالحداثة والعصرنة والتقدم والعدالة الاجتماعية مدعوة لمغادرة مواقعها النخبوية، والوصول إلى أعماق المجتمع وأقاصيه، من أجل إدارة معركة كفؤة ونشطة تهيئ الفرصة كي تستعيد مصر وجهها الحضاري المغيب وموقعها القيادي، وتتدارك الكثير مما فاتها خلال العقود الأربعة الماضية .
التعليقات