عبد الرحمن الراشد


من مفارقات الأزمة السورية أن التحذيرات توجه للدول التي تطالب بدعم الشعب السوري، في وقت لم يفعل أحد شيئا لوقف الدول التي تدعم قوات النظام المسلحة حديثا حتى أسنانها، والتي تباشر بصفة يومية عمليات التدمير دون مبالاة لأي عقوبات دولية أو تحرك يواجهها. وبدل أن تتحول النشاطات الدبلوماسية نحو محاصرة النظام السوري، كما حدث مع الليبي وقبله العراقي وقبله الصربي، صار التوجه هو العكس!

تحولت سوريا وحلفاؤها إلى خطوة جديدة هدفها تخويف وملاحقة الدول المتعاطفة مع الشعب السوري، مثل تركيا والسعودية وقطر، تحذرها من تسليح المعارضة. في حين أننا نرى أن سلاح المعارضة المستخدم في حرب الأحياء والشوارع مجرد بنادق وأسلحة بسيطة، إلا بعض أسلحة محدودة كسبها الثوار من أحد مخازن السلاح قبل أكثر من شهرين، وما يكسبونه أيضا من أسلحة مع جنود النظام الذين يهجمون على الأحياء، لكن غالبا يقاتل الجنود بذخيرة محدودة، حيث يخشى الجيش انشقاق جنوده أو استيلاء الثوار على الأسلحة.

إن من يقاتل النظام السوري اليوم في حمص وحماه وريف دمشق ودرعا وغيرها من مناطق المواجهات جميعهم سوريون من أهالي هذه المناطق، ومن أبناء الأحياء. والحق أنهم بالأسلحة المحدودة هزوا أكبر قوة عسكرية أمنية عربية.

التحول الجديد في المعركة أن النظام صار يتعمد رفع الثمن غاليا بعمليات التدمير والقتل الوحشية اليومية. قلب المعادلة التي كانت تهدف دوليا إلى إحراج النظام السوري ودفعه لعمليات إصلاحات سياسية واسعة إلى معادلة إحراج المجتمع الدولي، فالنظام يدمر أكثر ويقتل بشكل أبشع؛ حتى يختصر المجتمع الدولي مطالبه بإنهاء المأساة الإنسانية للمدنيين في سوريا!

كيف يمكن لدول المنطقة، والدول المهتمة بما يحدث، إنهاء وحشية النظام التي ندرك أنها ستستمر حتى لو قيض للثورة أن تتوقف؟ تزويد الناس بالسلاح ضرورة للجم آلة النظام المتوحشة وليس من خلال المبادرات السياسية، لأنه لن يتوقف أبدا قبل أن يمحو مناطق كاملة والمزيد من عشرات آلاف القتلى. ومن دون زيادة الضغط على النظام داخليا لن يقدم تنازلات حقيقية، وبالتالي سينتهي المبعوث الدولي بالمطالبة في الأخير بضمانات بألا يقوم متظاهرون بإطلاق النار، وسيسمح لقوات النظام بالاستيلاء التام على كل المدن والقرى المنتفضة. وفي الأخير نحن ندرك أنه سيضع بضعة أسماء من المعارضة المزورة ليدعي أنها قبلت بالمشاركة في حكومة وطنية، وهي المسرحية التي تطبقها معه السلطات الإيرانية والروسية.

ولهذا لن تتوقف الثورة ولن تتوقف الحرب، ولا يوجد من سبيل لوقف عنف النظام إلا بدعم المواطن السوري الذي يدافع عن أولاده وبيته وحيه. من دون هذا الدعم سيستمر شلال الدم وستستمر قوات النظام في القتل، والقتل الرسمي، كما نراه الآن، ليس هدفه فقط التخلص من الثوار، أو ما يسميهم بالمسلحين، بل هدفه الأهم إعادة تثبيت الرعب في نفوس الشعب، الرعب هو أسلوب الحكم في جمهورية الخوف السورية. وأنا متأكد أن الشعب السوري لن يقبل العودة للوراء، فأربعون عاما من حكم نظام بوليسي يتحكم في تفاصيل حياة المواطن من خلال أجهزة المخابرات، ويسوم الناس الذل والعذاب، لا يمكن أن يقبلوا بعودته، بغض النظر عمن يجلس على كرسي الحكم في دمشق.

الدول القليلة التي تساند الشعب السوري في محنته أمامها خيارات قليلة صعبة. إما أن تمتنع ويذبح النظام شعبه، وبعدها سيصبح غولا إقليميا أخطر من ذي قبل، أو أن تنتظر قرارا دوليا يمنحها حق الدعم المباشر، أو دعم القوى السورية شعبيا وتعديل ميزان القوة، وبالتالي فرض الإصلاح السياسي العادل أو تغيير النظام برمته بأيد سورية فقط.