عدنان حسين


بحثتُ أمس طويلاً في الإنترنت عن عدد منظمات المجتمع المدني في العراق فلم أجد أيّ رقم. لهذا معنى واحد هو أن عدد هذه المنظمات لا يُحصى، وهذا ما يدل عليه واقع أن كل أحياء العاصمة بغداد تقريباً تنتشر فيها وتتزاحم مكاتب هذه المنظمات، فضلاً عن المحافظات. سألت ناشطة في إحدى المنظمات، فأجابت: أربعة آلاف منظمة.

وراء بحثي قصةٌ قرأتُ عنها منذ بضعة أسابيع ونُشر فصل جديد منها أمس. القصة تتعلق برفيق لنا، نحن معارضو نظام صدام، أعلن انه يريد أن يعود إلى حياة السرداب (القبو) التي عاشها في زمن صدام هرباً من حكم الإعدام الصادر في حقه.
هذا المعارض السابق اسمه جواد الشمري، وهو عاش أكثر من عشرين سنة في قبوٍ لا يتعدى عمقه مترين أسفل منزله، ويريد الآن العودة إلى تلك التجربة القاسية احتجاجاً على الوضع الراهن في البلاد، حيث يتفشى الفقر والبطالة والفساد، وهو ما لم يناضل من أجله السيد الشمري وسواه من المعارضين السابقين. وثمة سبب شخصي أيضاً لاحتجاجه هو أن السلطات الحالية لا توليه الاهتمام الذي يستحقه كأحد ضحايا النظام السابق، فالحكومة لم تعترف به كمعارض سابق ولم تقدم له التعويض المنصوص عليه في القوانين. وبحسب أحد أصدقائه فأن جواد الشمري ليس له راتب أو وظيفة تعينه على شظف الحياة، ما جعل الشمري يعيش الآن اعتماداً على معونات الأصدقاء والأقارب.
والسيد الشمري، وهو من إحدى قرى محافظة واسط، بدأ حياته السياسية في العام 1974 بانتمائه إلى حزب الدعوة الإسلامية الذي يتزعمه الآن رئيس الوزراء نوري المالكي، ولهذا السبب لوحق في نهاية السبعينات من القرن الماضي، ما أضطره إلى الاختباء في القبو الصغير الذي بناه بنفسه في العام 1979 ولم يبرحه إلا بعد سقوط صنم صدام في ساحة الفردوس في 9 نيسان 2003.
السيد الشمري ليس حالاً فريدة من نوعها في البلاد. فمثله يوجد المئات، وربما الآلاف، من ضحايا النظام السابق الذين لم تعد إليهم حقوقهم ولم يُعوضوا عمّا كابدوه وتكبّدوه. في المقابل فان ثمة الآلاف من الفسدة والحرامية الذين منحتهم الدولة امتيازات وتعويضات باعتبارهم سجناء ومعتقلين في عهد النظام السابق أو أفراداً في عوائل شهداء، وهم ليسوا كذلك، بل إن البعض من هؤلاء كانوا أعضاء ناشطين في حزب البعث وضباطاً أو عناصر في الأجهزة الأمنية وفي quot;فدائيي صدامquot; وquot;جيش القدسquot; وquot;أصدقاء القائدquot;، ممن وجدوا الطرق مفتوحة أمامهم للدخول زرافات ووحداناً في الأحزاب الإسلامية المستقتلة على المال والسلطة والنفوذ، وقد زوروا الشهادات والوثائق، وتسعى أحزابهم الجديدة لمكافأتهم الآن بإصدار قانون للعفو عنهم وسواهم من الفسدة.
الأربعة آلاف منظمة مجتمع مدني، لو كانت مئة منها حقيقية لنشط بعضها في مجال الدفاع عن حقوق ضحايا النظام السابق، لكن المشكلة إن أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمئة من هذه المنظمات هي وهمية، أوجدت لممارسة الفساد.