أحمد الجارالله

حسنا فعل نائب رئيس الجمهورية السابق عمر سليمان بتلبية رغبة المصريين بترشيحه لانتخابات الرئاسة, بل ان يتصدى الى هذه المهمة عدد من رجال الدولة, ومنهم عمرو موسى واحمد شفيق, فهذا لا شك يمنع اخراج مصر من اطار هويتها الليبرالية التي عرفت بها طوال قرون, لان بغير ذلك كانت ارض الكنانة مهددة بالتحول الى معقل للتطرف اين منه افغانستان, وبخاصة بعدما حاولت القوى المتأسلمة الاستحواذ على كل شيء استنادا الى غالبية برلمانية دونها الكثير من الاسئلة.
لا شك ان الانتخابات الرئاسية, وحتى النيابية, تبقى شأنا مصريا داخليا, الا انها في الوقت ذاته هي محل اهتمام عربي واقليمي ودولي, لا يمكن التعاطي مع نتائجها وكأنها انتخابات في ناد رياضي, فهذه الدولة بما لها من موقع جغرافي وسياسي واقتصادي, تعتبر بارومتر المنطقة, وما يحدث فيها له ارتداداته الزلزالية عليها, ولهذا رأينا كيف استفادت فروع جماعة الاخوان المسلمين من صعود اسهمها في مصر لتنقض على عدد من الدول, بدءا من تونس ومرورا بليبيا والاردن ووصولا الى الكويت حيث ارادت هذه الجماعة ان تنقلب على كل مؤسسات الدولة.
الشعب المصري الان, وبعد تجربة هذه الجماعة, بدأ يعلن عن تململه منها ومما اتت به في غضون اشهر قليلة فسَكَنةُ الكهوف هؤلاء وبما يطرحونه من مشاريع تنطوي في جوهرها على اذى كبير ليس لبلدهم, بل للمنطقة ككل, يريدون اخذ مصر الى حيث لا يمكن ان تكون تحت ضغط اي ظرف من الظروف.
هذه الجماعة التي لا يخفى على احد انها لا تعرف طريقا غير العنف لتحقيق اهدافها تحاول ان تثأر من ثمانية عقود فشلت طوالها في احراز موطىء قدم لها في الدولة رغم كل ما مارسته من تخريب و هدم للمجتمعات اين ما حلت, ولهذا حين تسترت بعباءة قبولها الديمقراطية والتعددية في مصر وغيرها من الدول العربية انما كانت تستفيد من ذلك للوصول الى الحكم واحتكار السلطة ومنع تداولها بالوسائل الديمقراطية.
بعد سقوط الاقنعة عن وجوه رموز التطرف بدأ الشعب المصري ومعه الشعوب العربية تصحو من نشوة الشعارات المخادعة التي ترفعها جماعات التطرف والانقلاب, وظهر ذلك بهذا الضغط الشعبي الكبير من اجل ترشيح رموز سياسية مصرية مرموقة لرئاسة الجمهورية كعمر سليمان, وهو مؤشر على ان غيمة صيف التطرف التي نشرت ظلها لفترة بسيطة جراء الفوضى الناشئة على هامش الربيع العربي بدأت في الانجلاء, لان العالم العربي لا يمكن ان يقبل المزيد من الطفيليات المتطرفة بين ظهرانيه فيما هو يتعافى من وعكات سياسية وامنية واقتصادية عدة تسببت في بعض دوله بالكثير من الفوضى.
نعم, العالم العربي لا يمكن ان يقبل جزائر التسعينات من القرن الماضي, ولا عراق الفتنة الطائفية, ولا صومالا اخر او لبنان تتوالى فيه الحروب من دون وجود اي افق لحل ما طالما استمرت بعض الجماعات متحكمة بالقرار والمصير, ولهذا فان الامال معلقة على مصر بانتخاباتها الرئاسية المقبلة, فكما منها بدأت كل حركات التغيير في العالم العربي, ربما منها ايضا يأتي الترياق للشفاء من سموم التطرف.