عوض السليمان

نوافقإلى حد ما على أن قرار مجلس الأمن 2024 هو خطوة في الاتجاه الصحيح. ولكن لا يعني أبدا أن هذه الخطوة تتمتع بكامل الصحة، وأنها خالية من العيوب، إذ علينا من الناحية السياسية ألا نقع في فخ رفض المبادرات العربية والأممية دون تمحيص، فالنظام يستفيد من ذلك، وما أسهل عليه أن يعلن موافقته على أي مبادرة دولية تجاه سوريا ليثبت بذلك أن المعارضة هي التي لا تستجيب لقرارات المجتمع الدولي.
وفي محاولة استقراء ما صدر عن مجلس الأمن في قراره اليتيم حول سوريا، نلحظ أنه طالب بدخول الصحافيين إلى البلاد والسماح لهم بالتجول بحرية تامة. كما طلب من النظام سحب آلياته من المدن وضمان حق التظاهر والإفراج عن المعتقلين. أضف إلى كل ذلك فإن الأمين العام للأمم المتحدة ملزم بتقديم تقريره بعد خمسة أيام فقط عن مدى التقدم الذي تم على الأرض، وقد بين القرار أن على سوريا الالتزام بذلك وإلا فإن المجلس سينظر بتبعات عدم تنفيذ النظام لتلك البنود. لا يمكننا القول إن هذه البنود سيئة من الناحية النظرية، إذ يعلم العالم بأسره كما يعلم بشار الأسد أن وجود مراقبين في سوريا مع السماح بالتظاهر السلمي يعني حتما سقوط النظام في وقت قصير. فلولا الاستشراس بالقتل لسقط الأسد منذ 12 شهرا.
من هنا رحب المجلس الوطني السوري المعارض بالقرار المذكور، فهو أحسن من لا شيء أولا، وثانيا لأنه في حال تطبيقه بدقة سيكون مقتل الأسد، وثالثا لكي لا تقع المعارضة في فخ الرفض، فتصبح الكرة في ملعبها في وقت لا نشك فيه، أن العالم أجمع يبحث عن أخطاء المعارضة ليبرر تأخره في مساعدة الشعب السوري الأعزل.
نعود للقول إن القرار خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكنه ليس صحيحا، ولنقل إنه لا يخلو من العلل، إذ سيكون عسيرا علينا أن نفهم كيف يرسل مجلس الأمن 250 مراقبا إلى بلد تتظاهر فيه 577 مدينة وقرية كمعدل وسطي. ولعل الأسوأ من ذلك أن القرار ينص بوضوح على أن مسألة اختيار المراقبين يتم التوافق عليها بين دمشق والأمم المتحدة. فلنفرض أن الأسد لم يوافق على إدخال مجموعة محددة من المراقبين فاستبدلت بأخرى فرفضها النظام أيضا ورفض ثالثة ورابعة، أفلا يكسب الأسد مزيدا من الوقت، ومرادف الوقت في سوريا الدم وإزهاق الأرواح.
نقطة أخرى لفتت نظري بشدة، فمجلس الأمن يدعم بنود خطة عنان الستة، ومن هذه البنود: ضمان حق التظاهر السلمي المكفول بالقانون. لنفترض أن حكومة الأسد ردت على هذا البند بمنع التظاهر، إذ تحتاج المظاهرات إلى تصاريح من الحكومة، وهذا يعني أن أي تظاهرة تخرج في سوريا ستكون مخالفة للقانون لأن أصحابها لا يملكون تصريحا بالتظاهر، وبالتالي من حق الأمن والشبيحة تفريقها، فهي تعتبر إذاً من أعمال الشغب. ولا أستحي من القول إنني أخاف أن يؤيد المجتمع الدولي الأسد في منع المظاهرات بحجة أن قرار مجلس الأمن واضح وهو لا يجيز إلا المظاهرات المرخصة. وما يدفعني لهذا الخوف ما جاء في القرار الذي ساوى بين الشعب الأعزل وبين بشار الأسد الذي لا يزال يقتل الشعب السوري منذ 13 شهرا. فكيف يدين المجلس العنف من جميع الأطراف؟ أفليس هذا اعترافا مبطنا بوجود عصابات مسلحة في سوريا؟ وهو لا محالة كذب وبهتان، فلقد استمرت الثورة السورية في سلميتها أكثر من ستة أشهر متواصلة ولا تزال. أما أولئك الذين يحملون السلاح فهم أفراد شرفاء انشقوا عن النظام الوحشي وهم يقومون بواجبهم في حماية المتظاهرين السلميين. ولا أخفي أن بشار الجعفري ومن ورائه المجلس قد استفزني بزهوه وهو يفاخر بالقول إن أعضاء المجلس اليوم يعترفون بوجود العصابات المسلحة التي تحدثنا عنها منذ بداية الأحداث. وكأن الرجل وحكومته يحاربان فعلا عصابات مسلحة. بالطبع لن أقول إن هذه هفوة من مجلس الأمن، بل هي سياسة هذا المجلس، فهم يحسبون خط الرجعة دائما فلعلهم ينقلبون يوما على المعارضة، فالمصالح فوق الأخلاق وقبلها.
سؤال يراودني، كيف تدعي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا أن نظام الأسد لا شرعيا وأن على بشار التنحي عن السلطة في سوريا، ثم يصدر قرار أممي يطلب من النظام السوري المساعدة في تطبيق بنوده؟ التناقض واضح وصارخ! فلو صدق الغرب باعتبار بشار الأسد رئيسا لا شرعيا لسارع على العمل لإسقاطه بكل الطرق بما فيها العسكرية.
قرارات مجلس الأمن ضد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين كانت تنتهي بعبارة: سيتحمل العراق عواقب وخيمة في حال رفضه تنفيذ هذا القرار. وفي المسألة الليبية حسم أمر التدخل العسكري في أيام قليلة. أما في الحالة السورية فقد صدر القرار تحت الفصل السادس وليس السابع، وتحدثت آخر فقرة فيه عن تبعات في حال لم تنفذ الحكومة السورية بنود القرار. إذاً الفرق واضح، ولا أعتقد أن المجتمع الدولي عازم بالفعل على تغيير بشار الأسد. فالخوف اليوم على أمن الكيان الصهيوني من تحالف الثوار في سوريا مع إخوانهم في مصر وتونس وليبيا.
أعتقد جازما أن استمرار التظاهر في مدن سورية وقراها أشد على الأسد من قرارات مجلس الأمن. وأن النظام لن يسقط بإرادة دولية، بل بإرادة الشعب السوري الثائر. ولكي أكون منصفا فقد يلعب قرار اليوم دورا في إسقاط هذا النظام.