عماد الدين أديب

يزعجني للغاية ويكاد يصيبني بحالة من الجنون من يتحدث في برامج laquo;التوك شوraquo; العربية وكأنه يمتلك، وحده دون سواه، الحقيقة المطلقة!

لا يمكن لبشر الآن، وبعد انتهاء عصر الأنبياء والرسل الذين يوحى إليهم، أن يتحدث إلينا مسؤول أو مفكر كائنا من كان بمنظور أن كل ما يقوله هو بمثابة الكلام المقدس الذي لا يأتيه الباطل!

لا أحد يمتلك الصواب المطلق، ولكن كل منا يؤخذ منه ويرد عليه، وكل منا يحمل بداخله عقله ومجموعة من الاجتهادات التي تحتمل الصواب أو الخطأ، وكل منا يبني خلاصات أفكار بناء على فرضيات ومعلومات وأرقام وإحصاءات قد تصح كلها أو تخطئ كلها، أو يصح أو يخطئ بعض منها.

والمذهل أن بعض الساسة أو بعض رجال النخبة يخرجون علينا بآراء وكأنها حقائق وانطباعات وقناعات كأنها مسلمات نهائية.

وآفة العقل العربي، هي الحالة الانطباعية المزاجية التي تسيطر على عقول وألسنة البعض بشكل يسيطر عليهم ويصيبهم بحالة من laquo;الفوبياraquo; الفكرية!

وأرجوكم حاولوا أن تتأملوا وجه أي من المتحاورين في برامج laquo;صراع الديوكraquo; التي تظهر في بعض القنوات والتي يعلو فيها الصراخ وينخفض فيها التعقل، سوف تكتشفون أنه لا يستمع إلى كلام خصمه ولا ينصت له لعله يقول شيئا قد يوافقه في الرأي. إنه يفكر بكل قوة في الرد المضاد بصرف النظر عما قيل!

حالة الهستيريا التي تسيطر على العقل العربي ومزاج النخبة السياسية قائمة على الاغتيال المعنوي للشخص الذي نختلف معه.. أنا لا أناقش أفكارك، ولكن أحاول أن أحطم مصداقيتك، لذلك أتهمك بالعمالة أو التخابر أو الفساد أو الكذب!

ولعلنا لاحظنا زيادة تحول الحوار من الشجار اللفظي إلى حالات الاشتباك البدني على الهواء مباشرة وعلى مرأى ومسمع من الملايين.

هذه الحالة المتدهورة تعكس أزمة الحوار التي نحياها الآن.. إنها أزمة أمة قررت أن تثأر من بعضها البعض عبر التجريح والتنابز بالألفاظ والصفات النابية.

إذا كانت هذه هي laquo;الديمقراطية العربيةraquo;، وهذا هو الثمن الذي يجب أن ندفعه لنخرج من حالة الاستعباد إلى حالة التحرر، فإنه ثمن فادح للغاية، وفي يقيني أنه لا يمكن أن يحقق لنا حلم النهضة الشاملة ولا نصف الشاملة!