سعد بن طفلة العجمي

quot;الحرب أولها كلامquot;، هكذا قالت العرب، واللغة الإيرانية الرسمية لغة حرب لا لغة سلام، فهل ترغب إيران حقاً في الحرب؟ كوريا الشمالية، بلد يعيش في الجوع والفقر المدقع، ويأكل شعبها من المساعدات الغذائية الإنسانية التي تقدم لها عبر برنامج تنظمه الأمم المتحدة، ونظامها قهر وديكتاتورية تنفث شعارات حول قائدها العظيم حفيد جده الذي لم تشهد له الدنيا مثلاً -كيم إيل سونج- صاحب الأربعين لقباً، وابن أبيه الراحل الذي لا يشق له غبار، ولا يضاهيه في البطولات الدونكيشوتية حتى دينكيشوت نفسه. تستعرض الديكتاتورية الكورية الشمالية جيوشها الجرارة ليل نهار، وتقيم العروض العسكرية التي يحضرها رئيسها الشاب، وتعلن بين فترة وأخرى عن تطويرها لصاروخ بعيد المدى، وآخر قادر على حمل رؤوس نووية، وثالث قادر على الوصول إلى واشنطن -عاصمة الإمبريالية. وفي آخر استعراض جرى الأسبوع الماضي في بيونج يانج، هدد المستعرضون شقيقتهم quot;العدوquot; كوريا الجنوبية بالحرب والدمار وخراب الديار، وأحرقوا دمى لمسؤوليها، وطعنوا بالحراب المثبتة بالبنادق دمى أخرى لوزير دفاع كوريا الجنوبية. كل هذا كان يجري والشعب يتضور جوعاً والمفاوضات جارية بين ديكتاتورية كوريا الشمالية والأمم المتحدة حول المساعدات الغذائية القادمة!
من إيران، تنطلق دون مبرر صيحات التهديد والوعيد للغرب كافة، ولإسرائيل ولأميركا ولكل القوى التي تقول إيران مرتبطة بها -في إشارة واضحة لدول الخليج، وتتحدى جيرانها بزيارة رئيسها لجزيرة أبو موسى الإماراتية التي تحتلها إيران وحشد قواتها فيها، وقد يرى البعض صيحات الحرب وضرب طبول النزال بلا منطق ولا عقلانية، حيث تعيش إيران حالة اقتصادية صعبة وخانقة، وتعاني مؤسساتها المالية والاقتصادية من شلل شبه تام، نتيجة عقوبات دولية فرضها المجتمع الدولي عليها بسبب برنامجها النووي.

ولكن وبازدواجية لا تنطلي على أحد، تطلق إيران أصواتاً توفيقية مخالفة للغة الحرب والتهديد، يتلوها وفد مفاوض يرحب بالتعاون الدولي والحوار لحل أزمتها النووية بتعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة النووية، واجتماع مع مجموعة الخمسة + واحد بأنقرة. ولكن قرع طبول الحرب يتواصل من طهران، ولغة الغطرسة وبالذات لجيرانها العرب الخليجيين المسلمين، يستمران بلا هوادة. وهو ما يعيد التساؤل: ترى هل ترغب إيران حقاً في الحرب؟

عسكري كويتي متقاعد وخبير استراتيجي عرف بانضباطيته ومهنيته يعتقد أن المسألة تجاوزت الكلام بين إيران والغرب، وبأن الحرب واقعة لا محالة. العميد المتقاعد عبدالكريم الغربللي ذكر في مقابلة صحفية الأسبوع الماضي أن الغرب قد هيأ كافة الأجواء لشن حرب على إيران، وأن الحرب أصبحت حتمية خاصة في ظل إصرار إيران على تخصيب اليورانيوم ورفض المجتمع الدولي لهذا الأمر. ويشرح الغربللي كيف أن العقوبات الاقتصادية التي عزلت إيران وشلت الاقتصاد الإيراني هي تهيئة لحرب ستكون من جانب واحد، حيث يتفوق الغرب عسكريّاً وتقنيّاً وستبدأ الحرب إلكترونياً بتعطيل الاتصالات والهواتف والرادارات وكافة أنواع الاتصال فتنقطع القيادة والتحكم عن الجيوش الإيرانية وستهيم القطع والغواصات البحرية الإيرانية في البحر لانقطاع اتصالها بالقيادة، وهو ما سيهيئ لضربات جوية متواصلة تستهدف البرنامج النووي الإيراني والقوات الإيرانية التي ستنقطع عن بعضها بعضاً. لن تستطيع صواريخ إيران الوصول لإسرائيل لأنه سيتم اعتراضها فوق العراق والأردن، ولكنها ستصل للجانب الغربي من الخليج العربي لقربه الجغرافي، وهنا يطالب العميد الغربللي دول الخليج بالجاهزية لهذه الحرب التي سيطالنا شررها وحريقها.

إيران تدرك أنها لن تنتصر بالحرب، وأنها لو اندلعت -لا سمح الله- فسوف تستهدف الدولة الإيرانية ونظامها، لذا فهي لا تتمنى الحرب ولكنها مجبرة على لغتها فلماذا؟

الجواب يختزله مشهد الرئيس نجاد يجوب إحدى المحافظات، فتعتلي مقدمة سيارته سيدة إيرانية وهي تصرخ: أريد أن آكل!