علي حماده


يوم السبت الماضي دعت الصديقة منى ابو حمزه الشعب اللبناني الى النزول الى الشارع وملاقاتها وعددا من الاعلاميين والفنانين لاطلاق صرخة مدوية بوجه الغلاء والفقر وانعدام الاحساس بالمسؤولية لدى السياسيين حيال آلام المواطنين. لم اتمكن من تلبية دعوتها لاسباب قاهرة، ولكني كنت مؤيدا الى اقصى حد، مع انني ما توهمت لحظة ان الدعوة ستشكل مناسبة لنزول جموع غفيرة من الناس من اجل لقمة الخبز، لأن التجارب السابقة خلال العقود الثلاثة المنصرمة دلت، ويا للاسف، على ان اللبناني يحسن رياضة quot;النقquot; وانتقاد كل شيء انما ضمن دائرة مقفلة، او ما يسمى الصالونات! لم يشهد لبنان منذ ١٩٧٥ تظاهرة مطلبية واحدة ذات وزن جماهيري حقيقي يتناسب وحجم ازماتهم الحياتية التي أتت متلازمة مع مرحلة الحرب. في المقابل، ظلت السياسة بمعناها الاصطفافي والانقسامي والغرضي والطائفي والجهوي اكثر قدرة على الاستقطاب الجماهيري. ومع انني كنت اعرف سلفا ان العناوين المعيشية في لبنان لم تفلح في مغادرة الصالونات، فإني اعتقد ان دعوة منى يوم السبت كانت ممتازة، وينبغي البناء عليها وعدم التوقف عند خيبة المحاولة الاولى. المهم ان يعي اللبنانيون ان الخبز كما الحرية والاصطفافات المتنوعة له مكانه، بل انه هم دائم يجمع اللبنانيين كلهم في حزب واحد هو حزب الرغيف. فمتى يقوم quot;حزب الرغيفquot;؟
في سوريا همّ آخر أكثر إلحاحا اليوم هو هم الحرية في مواجهة قتلة الاطفال. فما عاد هم الخبز اولوية مطلقة بعدما جعل بشار من البقاء على قيد الحياة الاولوية، بل صارت الاولوية للحفاظ على العرض بعدما صار الاغتصاب والتعذيب جزءا اساسيا من حرب نظام ضد الشعب السوري الحر. وبناء على ما تقدم، نتساءل كيف يمكن اجراء ما يسمى الانتخابات التشريعية في سوريا وسط حرب طاحنة يشنها النظام على الشعب في كل مكان؟ البعض سماها مهزلة، والبعض الآخر مسرحية تزويرية، اما نحن فنعتبرها اقصى درجات quot;السينيكيةquot; الاجرامية، حيث يصير المجرم الوحش في حاجة الى التفنّن للتلذذ بإجرامه ووحشيته.
لقد مضى على اعلان المبعوث الدولي العربي كوفي انان عن وقف لاطلاق النار في سوريا اكثر من ثلاثة اسابيع، ولا يزال النظام يمعن قتلا وحرقا وتعذيبا وتهجيرا، فيما الناطق الرسمي بإسم انان محمود فوزي يصرح عن quot;تقدم طفيفquot;، وما فهمنا كيف توصل الى هذا الاستنتاج الغريب. في اي حال، تبقى الثورة السورية ام الثورات العربية، حيث ينشد شعب بأسره قائلا: quot;الموت ولا المذلةquot; حتى إسقاط القتلة. اما في لبنان، فمزيج من المذلة في الحياة العامة يفرضها سلاح احتلال داخلي، معطوف على مذلة الفقر والعوز، فيما يبقى اللبناني معتصما في الصالون!