كتب: Patrick Clawson

حققت العقوبات على إيران عدداً من الأهداف وفشلت في أخرى، لكن بالنسبة لأوباما، نجحت العقوبات في إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات. لا تتعلق المسألة الأساسية في هذه الحالة بفاعلية العقوبات بل بمعرفة ما إذا كانت الاستراتيجية المطبقة صائبة.
لتقييم مدى فاعلية العقوبات الغربية على إيران، من الضروري في المقام الأول تحديد الهدف منها. حدد المسؤولون الأميركيون ونظراؤهم الأوروبيون عدداً من الأهداف المختلفة لنظام العقوبات، بما في ذلك ردع انتشار التكنولوجيا النووية في أنحاء الشرق الأوسط لأن الدول الأخرى قد تقرر الاقتداء بإيران، فضلاً عن إقناع إيران بتطبيق أوامر مجلس الأمن بتعليق جميع نشاطات التخصيب النووي. حققت العقوبات عدداً من تلك الأهداف وفشلت في تحقيق أهداف أخرى. لكن بالنسبة إلى إدارة أوباما، نجحت العقوبات في التوصل إلى أمر حاسم: إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات. لا تتعلق المسألة الأساسية في هذه الحالة بفاعلية العقوبات بل بمعرفة ما إذا كانت الاستراتيجية المطبقة صائبة.
في المقام الأول، يشكل قرار طهران استئناف مشاركتها في المفاوضات حول مستقبل برنامجها النووي تحولاً جذرياً لافتاً. خلال جولة المفاوضات بين إيران وألمانيا والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن في يناير 2011، رفضت طهران مثلاً إجراء أي محادثات حول برنامجها النووي. خلال الأشهر الخمسة عشر اللاحقة، رفضت أيضاً عقد أي اجتماع إلى أن تقبل القوى الغربية بالشرط المسبق الذي يقضي بالاعتراف بحق إيران بتخصيب اليورانيوم. لكن في المحادثات الجديدة في اسطنبول في شهر مارس الأخير، وافقت إيران على مناقشة أنشطتها النووية وتخلت عن شرطها المسبق.


لم تُقدم الجمهورية الإسلامية على ذلك من باب حسن النية بل بسبب العقوبات القاسية التي تواجهها. حشدت إدارة أوباما، من خلال إظهار استعدادها للتفاوض والعمل عن قرب مع أوروبا، دعم دول عدة لتعزيز جهودها. عمد هذا التحالف الواسع إلى تشديد العقوبات، علماً أن الولايات المتحدة ما كانت لتستطيع تحقيق هذه النتائج وحدها. في شهر مارس مثلاً، أقصى الاتحاد الأوروبي أكبر البنوك الإيرانية وأهمها من منظمة ldquo;السويفتrdquo; (جمعية الاتصالات السلكية واللاسلكية المالية العالمية بين البنوك)، وهي المؤسسة الأساسية التي تُستعمل لتحويل الأموال بين البنوك في أنحاء العالم، ما أدى إلى شل قدرة المؤسسات المالية الإيرانية على متابعة عقد الصفقات والأعمال. في وقت سابق من هذه السنة، بدأ الاتحاد الأوروبي يفرض حظراً نفطياً على إيران، ما أدى إلى تراجع حجم الصادرات النفطية. خلال الأشهر الستة الأخيرة، أدت هذه التدابير والسياسات الاقتصادية المتقلبة في إيران إلى تراجع قيمة العملة إلى النصف. ووفق التقديرات الإيرانية، ارتفع معدل التضخم فوق عتبة الـ20 في المئة (بل أعلى من ذلك على الأرجح). اعتبر حاكم البنك المركزي الإيراني، محمود بهماني، أن هذه العقوبات هي تدبير أسوأ من الحرب الفعلية وادعى أن إيران ldquo;تخضع للحصارrdquo;. يشعر رجال الأعمال الإيرانيون بالقلق من فرض عقوبات إضافية في المرحلة المقبلة، بما أن الولايات المتحدة وأوروبا أوضحتا أن إيران ستواجه مشاكل اقتصادية وسياسية إضافية كلما طالت مدة الأزمة النووية.

ساهمت العقوبات أيضاً في مساعدة واشنطن على إبطاء تطور البرنامج النووي الإيراني. أدت أعمال التخريب، والتشويش، والاعتداءات الإلكترونية، والاغتيالات، والعقوبات (مثل إقدام الأمم المتحدة على منع اقتناء المواد المتعددة الاستعمالات، وهي التكنولوجيا التي تبدو حميدة ظاهرياً ويمكن استخدامها في البرنامج النووي) إلى إعاقة تقدم إيران التكنولوجي. على سبيل المثال، تتابع الجمهورية الإسلامية استعمال تصاميم قديمة لأجهزة الطرد المركزي التي تتعطل في مناسبات كثيرة لأن البلد لا يستطيع الحصول على تكنولوجيا أفضل أو مواد عالية الجودة.
لكن تلك العقوبات محصورة ضمن حدود معينة. فشل الحظر النفطي الذي فرضه الاتحاد الأوروبي والضوابط المالية التي أقرتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في تخفيض عائدات النفط الإيرانية. كانت تلك العقوبات لتؤدي إلى نتائج أفضل قبل عقد من الزمن، عندما كانت إيران تسجل مداخيل نفطية بقيمة 19 مليار دولار سنوياً. لقد ارتفعت أسعار النفط إلى مستويات قياسية الآن لدرجة أن إيران تستطيع التعويض عن الضغوط الغربية التي تواجهها. قبل فرض العقوبات الأخيرة، أشارت تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز في إيران بين عامي 2012 و2013 ستبلغ 104 مليارات دولار، أي أكثر بـ23 مليار دولار من المستوى الذي سجلته بين عامي 2010 و2011. في شهر مارس، ذكرت صحيفة ldquo;وول ستريت جورنالrdquo; تقديرات مفادها أن العقوبات قد تخفض العائدات النفطية الإيرانية إلى النصف (إنها ضربة قاسية لكن ستحافظ تلك القيمة على مستوى 54 مليار دولار كتلك التي كسبتها إيران من مبيعات النفط بين عامي 2005 و2006، أي في السنة التي قررت فيها استفزاز الغرب من خلال استئناف التخصيب النووي بعد استراحة دامت ثلاث سنوات). حتى لو نجحت العقوبات في تدمير الاقتصاد الإيراني، لا شيء يضمن أن يوقف النظام مساعيه لتطوير تكنولوجيا نووية.

سواء توصلت المساعي الدبلوماسية إلى اتفاق معين أو لم تفعل، سبق وحققت العقوبات الهدف الأساسي الذي أرادته إدارة أوباما: استئناف المفاوضات. لكن هذا الهدف ليس صائباً. نظراً إلى سجل إيران السيئ في مجال احترام الاتفاقيات، تبقى المفاوضات رهاناً شائكاً لأنها قد لا تتوصل إلى أي اتفاق دائم. بدل التركيز على المحادثات التي قد لا تنتج أي اتفاق، يجب أن تشدد الولايات المتحدة على دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في إيران. قد تعمد إيران الديمقراطية إلى التخلي عن دعم الدولة للإرهاب وإنهاء التدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية مثل العراق ولبنان، ما يساهم في تحسين الاستقرار في الشرق الأوسط. صحيح أن الديمقراطيين القوميين في إيران يفخرون بالتطور النووي الذي أحرزه بلدهم، لكن أكثر ما يريدونه هو العودة إلى أحضان المجتمع الدولي، لذا سيوافقون على الأرجح على التخصيب السلمي مقابل إنهاء عزلة بلدهم.
يمكن أن تساعد الولايات المتحدة القوى الديمقراطية في إيران من خلال توفير الأموال والدعم المعنوي. يمكنها أن تموّل التبادلات بين الناس، وأن تقدم المنح الدراسية والدعم لجماعات المجتمع المدني التي توفر المساعدات إلى الناشطين الإيرانيين، وأن تتعاون مع شركات التكنولوجيا مثل ldquo;غوغلrdquo; لمعرفة كيفية نقل المعلومات إلى الشعب الإيراني، وأن تجدد عمل شبكة ldquo;صوت أميركاrdquo; الإخبارية الناطقة بالفارسية بعد أن واجهت المعايير الصحفية فيها مشاكل كثيرة بسبب اللامساواة في تعامل الإدارة. يمكنها أيضاً أن تثير موضوع انتهاكات حقوق الإنسان في كل اجتماع رسمي مع المسؤولين الإيرانيين (مثل المفاوضات النووية الجارية) وأن تطرح انتهاكات الحقوق الإيرانية أمام الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية. يدرك القائد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، خطر اندلاع ثورة شعبية في بلده وقد فعل كل ما يلزم لمنع ذلك. إذا أرادت الولايات المتحدة أخذ أي مجازفة، فيجب ألا تهدف إلى إقرار تسوية نووية جزئية وغير آمنة بل إلى تحقيق أفضل نتيجة ممكنة: إرساء الديمقراطية في إيران.