عبدالله السويجي

اتفقت طهران ومجموعة (5+1) التي تتكون من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا، على استئناف المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني في موسكو في 18 و19 يونيو/حزيران المقبل، بعد أن تجاوزت المفاوضات الوقت المحدد لها . وقالت كاثرين آشتون مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي إن الطرفين لايزالان مختلفين بصورة كبيرة بشأن كيفية مراقبة البرنامج النووي الإيراني، بينما قال سعيد جليلي، كبير المفاوضين الإيرانيين خلال مؤتمر صحفي ldquo;نتيجة المفاوضات هي أننا كنا قادرين على التعرف أكثر إلى آراء بعضنا بعضاًrdquo;، لكن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، قالت في تصريحات في واشنطن ldquo;الخيار الآن أمام إيران؛ هل ستوفي بالالتزامات الدولية أم لاrdquo;؟

وقبل يومين من انتهاء المفاوضات، أي في 22 مايو/أيار نشرت وسائل الإعلام تصريحاً لمدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو جاء فيه أنه يتوقع اتفاقاً وشيكاً مع طهران في شأن برنامجها النووي، وصرح أنه قرر وكبير المفاوضين الإيرانيين سعيد جليلي التوصل إلى اتفاق على ldquo;نهج منظم يهدف إلى إزالة الشكوك عن طبيعة البرنامج النووي الإيراني . . وفي هذه المرحلة يمكنني القول إنه سيوقع قريباً لكن لا يمكنني أن أحدد متىrdquo; .

بعد انتهاء المفاوضات بيوم واحد، أنقذت القوات البحرية الإيرانية السفينة التجارية الأمريكية ldquo;مرسك تكساسrdquo;، بعد أن تعرضت لهجوم من قبل عدة زوارق لقراصنة في خليج عُمان، وأفادت وسائل إعلامية إيرانية بأن القوات البحرية الإيرانية الموجودة في المنطقة سارعت إلى نجدة السفينة الأمريكية، حال تلقيها إشارات الاستغاثة . ويشار إلى أنها المرة الأولى التي تنقذ فيها إيران سفينة أمريكية بعد حوادث عدة مماثلة، انعكس فيها الوضع أقدمت خلالها البحرية الأمريكية على نجدة إيرانيين من قبضة القراصنة . وقال مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية: ldquo;نحن على علم بحادثة الأمس . . تمكن طاقم السفينة والإيرانيون بنجاح من منع تفجر الوضعrdquo; .

المفاوضات بين إيران ومجموعة (5+1) مستمرة منذ سنوات بشأن برنامجها النووي الذي تقول إنه سلمي، بينما تشكك الدول الكبرى والكيان الصهيوني في سلميته، وخلال هذه المرحلة، كانت الأمور بين الطرفين تراوح بين السخونة والبرودة، ووصلت إلى أن كثيرين توقعوا أن تقوم أمريكا وحلفاؤها بشن هجوم عسكري لتدمير البرنامج النووي الإيراني، وردت إيران بأنها ستشعل المنطقة برمتها، وستهاجم المصالح الأمريكية في كل مكان، وطال التهديد الكيان الصهيوني الذي ألمح إلى أنه قد يهاجم إيران بشكل منفرد، وهو أمر قال المراقبون الاستراتيجيون إنه صعب للغاية .

إن السؤال الجدير بالمناقشة هو: ماذا سيكون عليه الوضع لو توصلت إيران مع الغرب إلى اتفاق بعد لقاء موسكو في شهر يونيو/حزيران المقبل؟ هل سترفع عنها العقوبات، ويتم قبول إيران دولة (غير إرهابية) في المجتمع الدولي، ويتواصل التعاون التجاري معها؟ وهل سيتلاشى التوتر من منطقة الخليج، ولا سيّما بين إيران والمملكة العربية السعودية بشكل رئيس، وبقية دول مجلس التعاون بشكل عام؟ وماذا عن القضايا السياسية الأخرى، كموقف إيران تجاه البحرين ورفضها للوحدة السعودية البحرينية؟ وهل هناك ثمة صفقة سياسية بين أمريكا والغرب وإيران بشأن تقاسم النفوذ في المنطقة، على سبيل المثال، أن تطلق يد إيران في العراق؟ وهل هناك ضحايا لهذا الاتفاق الذي سيكون تاريخياً وسيقلب موازين كثيرة، ومفاهيم أكثر في التحالفات في المنطقة؟

ويمكن طرح أسئلة تحمل في طياتها أجوبة كثيرة، خاصة أن القضايا الاقتصادية لا تنفصل عن القضايا السياسية، وكذلك المصالح الاستراتيجية، فما يهم الولايات المتحدة الأمريكية هو تدفق النفط، ولكن يهمها بنفس المستوى، أن تحافظ على أمن الكيان الصهيوني، وانتشار القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، أي بالقرب من إيران وأفغانستان والصين وروسيا، وأي اتفاق اقتصادي سينعكس على درجة حرارة التوتر السياسي والعكس صحيح .

من دون شك، إن أي اتفاق بين إيران والغرب سيكون على حساب العديد من القضايا الأخرى، ومن دون شك أيضاً، تحدث مقايضات سياسية بشأن مناطق النفوذ، كي يتم طرح العلاقة السورية الإيرانية، وعلاقة إيران بحزب الله، وموقف إيران من البحرين وجزر الإمارات المحتلة، وموقف أمريكا من التقارب (المالكي/ النجادي)، ولا يمكننا التخمين في هذه المقايضات، ولكن مؤشراتها ستبدأ بالظهور من الآن فصاعداً، فالمحادثات والمفاوضات توقفت شكلياً في بغداد، ولكنها مستمرة في الكواليس وبزخم شديد، وما اجتماع موسكو سوى تتويج لهذه المرحلة، فإما أن يتم توقيع اتفاق، وإما أن يتم الإعلان عن فشل التوصل إلى اتفاق، وفي حال الفشل، قد يتصاعد التوتر، وقد تفرض أمريكا والدول الكبرى عقوبات جديدة على إيران، وقد يعلو صوت الكيان الصهيوني مرة ثانية بالتهديد بتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران، وسيستمر التصعيد إلى أن تنشب حرب وتتورط المنطقة برمتها فيها وبأزماتها التي ستنتج عنها، ومنها ارتفاع سعر برميل النفط إلى ما فوق 200 أو 300 دولار، وارتفاع أسعار المواد الغذائية المصدرة إلى الخليج، فضلاً عن تعرض البنية التحتية لدول المنطقة للتدمير، يضاف إلى كل ذلك أزمة النازحين من هنا وهناك، والعالقين في المطارات، والفوضى التي لا أحد يعرف شكلها ونتائجها، والتي قد تشكل أرضاً خصبة للتطرف والعصابات .

لا نريد القول إن أمريكا ودول الغرب تريد تجنّب هذا الوضع الكارثي المأساوي، فهي لم تتجنبه في العراق الذي عاد إلى العصور الوسطى، ولم تتجنبه في أفغانستان التي تعيش في القرون الوسطى منذ سنوات طويلة، ولم تتداركه في مساعدتها للثورات ولاسيّما في ليبيا التي تعيش حالة من الفوضى العبثية، ولكن الغرب هذه المرة سيفكر مليّاً في العواقب التي ستكون كارثية دون شك، إضافة إلى أنها ستطال الكيان الصهيوني، إذا ما صدقت نوايا إيران بضربها، ولو فعلت فإن حزب الله لن يقف مكتوف الأيدي، وكذلك الأراضي الفلسطينية وغزة على وجه التحديد، وربما الحدود السورية الفلسطينية، لن تنجو من اشتعال الوضع .

حالة اللاسلم واللاحرب حالة تستنزف الأطراف جميعها، وتبقي المنطقة في توتر كبير، إلا أن التوصل إلى اتفاق مهما تكن النتائج، سيكون أفضل لكل الأطراف، فمن السهل إشعال حرب، لكن من الصعوبة بمكان إخمادها، وخاصة أنها تحدث في منطقة متفجرة أصلاً .