علي سعد الموسى
قلت من قبل وسأعيدها اليوم، أن المجتمع الذي يحول صورا صغيرة ثانوية من قصصه إلى قضايا جوهرية للرأي العام إنما هو مجتمع مسكون بتوافه الصغائر من الأمور. المجتمع الذي يهب لنجدة القصص الصغيرة خوفا على تماسك ثقافته إنما يحاكم هذه الثقافة ويجعلها في إطار هش تبدو فيه ذات الثقافة أضعف من القدرة على التماسك في جوار الثقافات المجايلة. وعلى سبيل المثال، لم نكد ننتهي من زوبعة (طلاء المناكير) على أصابع شاردة لامرأة من بين الملايين في الأسواق، حتى دخلنا من جديد إلى البطولة الاستثنائية لثلاث سائحات سعوديات عدن إلينا بعد رفضهن خلع النقاب في مطار باريس كما تقتضي القوانين الفرنسية. وفي كلتا الحالتين سهر عشاق مواقع التواصل الاجتماعي على هذه القصص المختلقة وحولوها إلى هم وطني شامل، وكما يشير الإحصاء الإلكتروني فإن ثلث مليون مواطن أدلوا بأصواتهم في تأييد (الهاشتاق) التويتري الذي يدعو إلى تكريم (نساء النقاب) وكأنهن عائدات من (حنين) أو (عين جالوت) لا من (شارل ديجول) و(فسحة الباستيل) و(الإليزيه) الفرنسية.
هذا تسطيح مخجل لا لقضايانا العامة فحسب؛ بل لقضايا المرأة لدينا التي اختصرناها لأسبوعين كاملين في زاوية مناكير ونقاب.
نسينا في غمرة هذا التسطيح الفارغ أن هيئة حقوق الإنسان استقبلت في العام الماضي شكاوى لما يقرب من مئة ألف حالة عنف ضد المرأة، وأن الهيئة نفسها تعترف بأنها لا تستطيع الوصول إلا إلى حالة واحدة للحلول من بين كل ثلاثين شكوى تصل إلى المكتب.
نسينا أيضا أن لدينا حالة طلاق واحدة لكل زيجات ثلاث، وأننا بهذه النسبة المخيفة على رأس المعدل العالمي، ونسينا أن مدينة سعودية معروفة تصل فيها حالات الطلاق للمتزوجين الجدد إلى حالة من بين كل زواجين، وهي بهذا (درة) مدن الدنيا في هذه النسبة المخجلة.
نسينا مثلا أن لدينا في العام الواحد ما يقرب من عشرة آلاف طفل رضيع من ضحايا الطلاق الجاهز للعام الأول من الزواج؛ مثلما نسينا آلاف النساء اللواتي لم يستطعن رؤية أطفالهن من زواج سابق. نسينا مثلا أن لدينا ما يقرب من ربع مليون عاطلة جامعية من ضحايا الرهاب الاجتماعي بتحريم الوظيفة النسائية. كل هذا نسيناه في غمرة البطولة الخارقة لسائحات باريس اللواتي يستطعن بكل اقتدار أن يركبن طائرة أخرى إلى الدولة الأوروبية المجاورة، بينما البطلة المجهولة هي جارتنا التي تنتظر رؤية أطفالها منذ اثنتي عشرة سنة.
ختاما لا تجعلوا من ثقافتنا قصصا ثانوية مضحكة.
التعليقات