نبيـل عـمــر

من الأول وحتي لا يساء فهم العنوانrlm;,rlm; هذا المقال لا علاقة له لا بالفلول ولا بالثورة المضادةrlm;.. ولا بحسني مبارك شخصيا, وإنما له علاقة بالوطن.. هل هذا وطن يبحث عن مستقبل مختلف عن ماضيه التعس؟!

سؤال قد يبدو شاذا بعد ثورة أسقطت رئيسا وحاكمته ووضعت رجاله خلف القضبان, وانتخب شعبه أول رئيس في انتخابات نزيهة.. ومازال ميدان تحريره زاخرا بحناجر لا تكف عن الهتافات ليلا ونهارا..ومازالت تياراته وائتلافاته ترفع شعارات الثورة مستمرة!
لكن علي العكس تماما..هذا سؤال طبيعي جدا في وطن راحت نخبته السياسية وأحزابه وتياراته لا تفكر في مستقبله بقدر ما تفكر في الاستحواذ علي السلطة, لا تفتش عن خرم ابرة تمرر منها الوطن إلي سطح الحضارة والتقدم بقدر ما تحاول أن تفرض عليه أفكارها المحدودة وثقافتها الخاصة, متوهمة أن تلك الأفكار هي سفينة نوح الجديدة التي ستطفو به إلي عالم الفضيلة والإيمان وتنقذه من الجاهلية الدينية! وشئ عادي جدا أن تتصارع هذه النخبة صراعا سياسيا شرسا علي من تسمح له بركوب السفينة ومن تحرمه من النجاة, من تتحالف معه علنا ومن تقصيه من الدائرة المركزية سرا..
وأي نظرة نصف فاحصة علي صحف القاهرة بكل انتماءاتها, حزبية وخاصة وعامة دون استثناء, تكتشف بسهولة مطلقة أن هذا مجتمع يدير ظهره للمستقبل ومشغول تماما بتصفية حسابات سياسية خاصة مع بعضه البعض, مجتمع مولع بالألاعيب والحيل, وتستهويه لعبة الثلاث ورقات, وتياراته السياسية مهمومة بالإجابة عن سؤال سحري: كيف نعدي البحر دون بلل؟!
والسؤال السحري ينشطر تلقائيا إلي أسئلة تفصيلية تسيطرعلي العقول سيطرة الهيروين علي مدمني المخدرات, والمدمن دائما محلق في سحابة كثيفة من الدخان الأزرق لا يقلقه سوي كيفية الهروب من القانون باستغلال ثغراته إذا حدث ـ لا قدر لهاـ إن وقع في شباكه..
وفي مصر الآن لا أحد مشغول بالعاصمة ولا بالمدن الاخري التي تحولت إلي مقالب زبالة كبيرة, ولا بالشوارع والميادين التي يحتلها البلطجية والباعة الجائلون, ولا بالأرض الزراعية التي تتجرف وتنقلب إلي علب من الأسمنت والطوب والحديد بينما نشحت قوت يومنا من الخارج, ولا بالعقارات التي تنتصب كالعفاريت في الليل دون تراخيص وتسقط علي رأس ساكنيها, ولا بملايين العاطلين التي تكاد حياتهم تتسرب منهم, ولا بالتلوث الذي أكل صحة المصريين وأباد عافيتهم, ولا بالمصانع التي توقفت أو التي علي وشك التوقف, ولا بعشرات المشروعات التي أفلس أصحابها واصبحوا علي فيض الكريم, ولا بالتعليم المنهار, ولا بالمستشفيات التي أغلقت أبواب الطوارئ خوفا من اعتداءات البلطجية, ولا بالفوضي الضاربة في كل ركن..ولا.. ولا..
فقط الأهم لهم: كيف يمكن انقاذ الجمعية التأسيسية للدستور من حبل المشنقة أو كيف نحبك الحبل حول رقبتها؟!, كيف نعيد مجلس الشعب الباطل دستوريا إلي الحياة أو كيف نمنع عودته؟, ما هي الطرق والحيل التي يمكن أن يلغي بها الرئيس المنتخب الإعلان الدستوري المكمل؟, أو ما هي الوسائل التي تجعلنا نزيد من سلطات الرئيس بمنحة سلطة التشريع بدلا من المجلس العسكري؟, أو كيف نضغط علي الرئيس حتي نضعف مواقفه ونسلس قيادته؟!...الخ.
هذه هي أجندة النخب السياسية العظيمة التي يعملون علي تنفيذها حاليا: سواء النخب التي في السلطة أو النخب التي في المعارضة, وبالمناسبة لم أقل أيهما علي صواب وأيهما علي خطأ, فهذا موضوع آخر..
هل هذا النمط من التفكير يختلف عما كانت عليه مصر أيام حسني مبارك؟
يقينا لا..
هذا هو حسني مبارك كاملا متكاملا..وكأنه لم يسقط عن السلطة, وحسني مبارك ليس شخصا أو بطانة أو فسادا فقط, وإنما هو طريقة تفكير وأسلوب إدارة, كل ما فعلناه أننا استبدلنا الأشخاص, ربما بأشخاص أفضل وأكثر إيمانا وورعا وغير فاسدين أو مفسدين بالمرة, لكننا لم نغير العقلية وطريقة التفكير, العقلية القديمة هي هي, العقلية الباحثة عن الحيل والألاعيب, العقلية التي تتفنن في الخروج علي القانون بالقانون, العقلية التي تتحدث عن الناس ومشكلاتهم وهمومهم اليومية, ثم تترك الناس لرب العباد, وتتصارع هي علي السلطة من أجل توسيع مساحتها..
يا الله..الذين يحيطون بالرئيس مرسي يفكرون الطريقة نفسها التي كان يفكر بها الذين أحاطوا بالرئيس حسني, وهي كيفية إعلاء قيمة الرئيس علي قيمة القانون, والذين يعارضون الرئيس مرسي يفكرون أيضا الطريقة نفسها التي كانوا يعارضون بها الرئيس حسني, مع أن الأوضاع مختلفة والصورة أكثر ارتباكا واضطرابا..
وأتصور أن الرئيس محمد مرسي يمكن أن ينهي هذه الصراع الشرس ويوقف هذه المهزلة حتي يعود المجتمع إلي رشده, فقط ألا يجرجره أحد إلي مزيد من الصراع مع القضاء والمجلس العسكري, وليس هذا حبا في القضاء أو المجلس العسكري, وإنما من أجل الوطن, نريد أن نهدأ قليلا, أن نوقف هذا القصف القانوني المتبادل, أن نفكر قليلا في المصريين التعساء..ومن هنا حتي كتابة الدستور الجديد وانتخاب مجلس شعب جديد ستة أشهر فقط, وهذا لحظة في حياة الأمم..فهل يمكن أن نوقف الصراع قليلا ونسقط حسني مبارك فعلا ؟!