Lee Smith
الإدارة الأميركية تظن أن الإسلاميين حرصوا على توارث النظام السياسي في الشرق الأوسط، وأن رئيس الوزراء الإسلامي في تركيا سيكون مخولاً للتنسيق مع البيت الأبيض كي تفرض الولايات المتحدة نفوذها في مصر وتونس وليبيا وأماكن أخرى.
يريد البيت الأبيض أن يعلم الجميع بأن السياسة الخارجية التي يطبقها أوباما تشمل معطيات أخرى عدا الأمور الظاهرية التي تطبعها. قد يبدو أن الرئيس فقد السيطرة على الوضع وأن المصالح الأميركية بدأت تضعف في منطقة الخليج وشرق المتوسط وأوروبا وإفريقيا وأماكن أخرى، لكن ثمة عالم سري (يتم تسريب تفاصيله بشكل منتظم عبر وسائل الإعلام) حيث يكون الواقع مختلفاً، وفي هذا العالم، تطبق إدارة أوباما (وفق مصادر هذه الإدارة نفسها) سياسة خارجية قوية وتحقق نصراً تلو الآخر وتهزم الخصوم بشكل متواصل، لكن لا أحد يعلم بهذا العالم لأن أوباما لا يريد الكشف عنه ويفضل إبقاء المكان لطيفاً وهادئاً. في نهاية المطاف، هذا ما يميز القوة الدبلوماسية الحذقة. قد نظن مثلاً أن أوباما رضخ لإيران وأنه سيسمح للملالي والحرس الثوري بالحصول على القنبلة المنشودة، لكن في ذلك العالم السري، أعدّ الرئيس حملة إلكترونية سرية ضد منشآت إيران النووية من شأنها أن تعيق خطط النظام دوماً. في العالم السري، تنشر الإدارة ناشطين استخباريين ميدانياً في سورية وهم يتعاونون مع الثوار والحلفاء في المنطقة لإسقاط بشار الأسد. قد يبدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعض الازدراء العلني تجاه أوباما، لكن في العالم السري ستحقق سياسة إعادة ضبط العلاقات مع روسيا مكاسب هائلة قريباً. لا شك أن هذا العالم السري هو مجرد حلم خيالي، في عالم الواقع، تحصل بعض النشاطات السرية طبعاً لكن تتم إدارة ركائز السياسة الخارجية (التجارة، والدبلوماسية، والحرب) بشكل علني. بالتالي، تكون السياسة الخارجية مرئية وواضحة. ينطبق هذا الأمر تحديداً على نهج الولايات المتحدة، هذه القوة الهائلة التي تمارس نفوذها عالمياً ويحرص الجميع على مراقبة أدق تحركاتها وأبسط تعليقاتها. في أنحاء العالم، قد تتوقف حياة الناس على قرار يصدره البيت الأبيض. عندما تتعثر الولايات المتحدة، كما يحصل مع الإدارة الراهنة، يتضح عجزها أمام الأصدقاء والأعداء معاً عندما لا تحرك ساكناً لحماية مصالحها. باختصار، يبدو أن حملة التسريبات التي تقودها الإدارة هي مجرد استعراض سياسي، وبالتالي، ما هو المبدأ المحوري الذي يحرك سياسة أوباما الخارجية؟ يتردد البيت الأبيض في التحرك لإسقاط خصم الولايات المتحدة وحليف إيران بشار الأسد، ويرى المحرر رويل مارك غيريشت من مجلة ldquo;ويكلي ستاندردrdquo; أن ذلك التردد يشير إلى أن ldquo;الإدارة تحاول تجنب الالتزام بأي ملفrdquo;. من الواضح أن الخوف من الالتزام هو الذي يطبع سياسة أوباما الخارجية. لقد أصبحت ازدواجية المواقف المبدأ الذي يقود السياسة الأميركية. ربما تشكل تركيا أبرز مثال على ما يحصل، إذ يُقال إن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان هو أحد أقرب الحلفاء إلى أوباما من بين قادة العالم، وقد كسب مكانته هذه لأن الإدارة تظن أن الإسلاميين حرصوا على توارث النظام السياسي في الشرق الأوسط وأن رئيس الوزراء الإسلامي في تركيا سيكون مخولاً للتنسيق مع البيت الأبيض كي تفرض الولايات المتحدة نفوذها في مصر وتونس وليبيا وأماكن أخرى. اعتبرت الإدارة الأميركية أن أنقرة هي شريكة استراتيجية مفيدة، لذا حاولت الضغط على إسرائيل كي تعتذر من تركيا على مقتل تسعة إرهابيين كانوا على متن سفينة ldquo;مافي مرمرةrdquo; التي كانت ترفع العلم التركي وكانت قد انطلقت في مايو 2010 لخرق الحصار البحري المفروض على غزة. لم يحصل الأتراك يوماً على ذلك الاعتذار لكن ربح أردوغان دوراً مهماً كوسيط باسم الإدارة الأميركية في سياستها تجاه سورية (إلى أن أوضح الأسد حدود صلاحيات أنقرة وانقلب أردوغان على الرئيس السوري). سعى الدبلوماسيون الأتراك إلى كسب الدعم الأميركي من أجل إسقاط الأسد ويُقال إن المخططين العسكريين الأتراك كانوا يشرحون لنظرائهم الأميركيين طريقة تنفيذ الخطة (في حال اقتنع الأميركيون بهذا المشروع). لكن الجهود التركية الرامية إلى إقناع البيت الأبيض بالانضمام إلى مشروع من شأنه تعزيز المصالح الأميركية ذهبت سدىً. لن يوافق أوباما على ذلك. لذا يتحرك الأتراك وشركاء إقليميون آخرون الآن من دون دعم حليفتهم النافذة. كثرت التعليقات عن النهج السياسي الذي يعتمده فريق أوباما ولكنها كانت موجهة كلها ضد ميت رومني. في ما يخص السياسة الخارجية، يبدو أن البيت الأبيض يتخبط في قراراته، فلا تتعلق المشكلة حصراً بواقع أن بوتين والقائد الأعلى الإيراني علي خامنئي هما أكثر صرامة من السياسيين في شيكاغو، بل إن أوباما نفسه ليس صارماً بطبعه. لطالما حظي أوباما بالدعم الذي يحتاج إليه على مر مسيرته السياسية القصيرة، وذلك بفضل الصحافة التي لا تكف عن إبداء إعجابها به وقد اتضح الآن أن تلك الصحافة مستعدة لتكون شريكة في نسج تلك القصة الخيالية عن ذكاء أوباما السري في مجال السياسة الخارجية. يمكن توضيح المشكلة الحقيقية عبر الأسئلة الآتية: لماذا شعرت الإدارة الأميركية بالحاجة إلى بث مجموعة من الأفكار السرية الحماسية لسد الفراغ الحاصل في ملفات السياسة الخارجية؟ من هو الطرف الذي تخشاه الإدارة وتريد أن تدافع عن نفسها منه؟ أي انتقادات تحاول الإدارة تجنبها؟ لا شك أن الإدارة تخشى خصومها الجمهوريين ومرشح الحزب الجمهوري. لكن يبدو أنها تخشى بشكل أساسي شريحة واسعة من الرأي العام الأميركي الذي يتوقع أن يتحلى الرئيس بحس القيادة. ينشغل معاونو أوباما وراء الكواليس بإثبات أن الرئيس هو قائد حاسم لأنهم يخشون الحكم الذي سيصدر عليه إذا أدرك الشعب حقيقته: إنه شخص متناقض ورجل لا يستطيع الالتزام بشيء!
التعليقات