محمد خلفان الصوافي


أن يصرح مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي بخوفه من المهمة، فذلك أمر متوقع. الجميع يدرك صعوبة إقناع القيادة السورية بالتنحي والتخلي عن اتباع quot;منهج القتل الجماعيquot; للشعب الأعزل، وهي السياسة التي تتبعها منذ 18 شهراً.

الإبراهيمي، وقبله كوفي عنان، لم يرتح لتعامل نظام بشار الأسد مع الأزمة السورية، والذي لا يرى سبباً يدفع للتعامل مع شعبه بغير معاملة العدو، فيتم قتله ببشاعة، حيث فاق عدد ضحايا النظام الـ 20 ألف قتيل. لذا لا يمكن معرفة الطريقة التي من خلالها تم إقناع الإبراهيمي بقبول هذه المهمة حيث تقول كل المؤشرات بعدم وجود quot;ضوءquot; في نهاية النفق السوري. فقد اعتذر عنها سياسيون آخرون، وحتى الإبراهيمي نفسه كان قد اعتذر لأن النظام السوري لا يبحث عن حل للأزمة.

الكل بدأ يبتعد عن نظام بشار الذي لم يبقَ له غير الموقف الروسي quot;المحيرquot; لكل المراقبين، حتى إيران بدأت تبحث عن مخرج للهروب من نتائج العناد السوري، فهي التي وافقت على حضور قمة quot;مكةquot; وسكتت عن قرار تجميد عضوية سوريا في منظمة التعاون الإسلامي، وكانت جامعة الدول العربية أيضاً قد فعلت الشيء نفسه. وهناك تكهنات بأن استضافة إيران لقمة عدم الانحياز وحضور دول العالم، يدل أن الموقف الإيراني لن يكون مع سوريا التي خسرت كل حلفائها في المنطقة ولم تعد لديها أي علاقة حتى بالملف الفلسطيني، وهو أحد أهم ملفات العقدة السورية في المنطقة.

مضامين التفاهم مع نظام بشار لخصها الإبراهيمي في quot;خوفهquot; من المهمة، كما يمكننا كمراقبين معرفتها من خلال تصريحات المسؤولين السوريين، ومن حالة الانشقاقات الواسعة في القيادة السياسية والأمنية، وحتى التفجيرات الأخيرة، بل وفي الاختلاف على المستوى القيادي.

كلام الإبراهيمي، رغم جرأته ووضوحه، يبين أن مهمته صعبة وإن لم تكن مستحيلة من أجل إقناع بشار بالتنحي، باعتبار أن الحل المطروح هو السيناريو اليمني باعتباره أحد شروط الشعب السوري. وقد وضع الإبراهيمي الشعب السوري في الأولوية، وهو عندما يتكلم عن مخاوفه من المهمة فإنه بذلك يمهد المجتمع الدولي لأن يستعد من أجل حلول غير سياسية وغير دبلوماسية، إلا إذ خيّب الأسد ظن كل المحللين والمراقبين وفجّر مفاجأة سياسية من العيار الثقيل وقبل أن يتنحى ووافق على الحل السياسي!

تخوف الإبراهيمي في هذا الخصوص يفوق تخوّفه من المهمة نفسها، فسوريا بشار احترفت المفاجآت والتنصل من الوعود والتعهدات في تعاملها مع المجتمع الدولي ومع الدول العربية تحديداً، وتشهد الساحة اللبنانية الكثير منها. وما يهم بشار الآن من المهمة كلها كسب مزيد من الوقت لزيادة عدد ضحاياه وتدمير ما بقي من الدولة السورية، إذ لا توجد مؤشرات تمكن من بناء موقف إيجابي من مهمة الإبراهيمي، فالخلفية التاريخية للقيادة السورية مليئة بالتعقيدات وبالكلام غير الدقيق وغير الموثوق، ما يجعلنا نتفاعل مع مخاوف الإبراهيمي ونعيش حالة ترقب لما يمكن أن يحصل.

ومجمل القول إن هناك تشككاً في إمكانية تغير موقف القيادة السورية، فهي مصرة على إكمال مسيرة التقتيل وتخريب المنطقة كلها. وإن هذه المهمة هي الفرصة الأخيرة من جانب المجتمع الدولي لنظام بشار، خاصة وأن المؤشرات السياسية كلها تقول إن الجميع بدأ يتخلى عنه، فتخوّف الإبراهيمي لابد أن نضعه في مكانه لأنه مبني عن ذهنية لا تعرف quot;فن الممكنquot;.