خيرالله خيرالله


ما يتعرّض له لبنان حاليا يتجاوز كلّ حدود.هناك محاولة واضحة لايجاد قطيعة بين لبنان والخليج وذلك بحجة ان الدول الخليجية العربية ومعها تركيا، الدولة المسلمة غير العربية، تدعم الشعب السوري في ثورته. ما ذنب لبنان واللبنانيين في هذه الحال؟
انه منطق اللامنطق الذي يستخدمه المحور الايراني- السوري وادواته المحلية وادوات هذه الادوات من اجل عزل لبنان عن محيطه العربي واستخدامه laquo;ساحةraquo; لتصفية الحسابات مع العرب والاتراك ومع المجتمع الدولي. لماذا لا وجود لأيّ نوع من المنطق لدى الذين يهددون الرعايا الخليجيين الراغبين في زيارة لبنان ويخطفون المواطنين الاتراك في الوقت ذاته؟ الجواب انّ مثل هذه التصرّفات المريبة لا تقدّم ولا تؤخر على الصعيد السوري. النظام العائلي- البعثي سقط منذ تجرّأ عليه اطفال درعا، قبل سنة ونصف السنة، ومنذ لم يعد يجد ما يردّ به على ابناء الشعب سوى لغة القتل...
لا هدف من التصرّفات المريبة التي يمارسها داعمو النظام السوري، الذي لا يجد ما يقدمه لشعبه غير الرصاص والقنابل والتعذيب والبؤس، سوى الانتقام من لبنان. هذا ما يفترض بجميع اللبنانيين استيعابه. هذا ما يفترض بالحكومة الللبنانية معالجته عن طريق الوقوف في وجه كلّ من يهدّد الدول الخليجية العربية او تركيا او اي دولة اخرى اوروبية او غير اوروبية. كيف يمكن للحكومة اللبنانية التزام الصمت حيال ما صدر عن بعض اللبنانيين من شتائم في حق دول الخليج وتركيا؟ هؤلاء الاشخاص معروفون. ولكن يبدو ان الحكومة اللبنانية لا تريد ان تعرف!
اليس الصمت الحكومي مستغربا كلّ الاستغراب في وقت يبدو واضحا انّ كل الاحداث الامنية التي يشهدها الوطن الصغير، من قضية الوزير السابق ميشال سماحة ومتفجراته، الى قطع طريق المطار، مرورا بالفتنة التي تحاول الاجهزة السورية وتوابعها المعروفة افتعالها في طرابلس جزء من مسلسل يصبّ في عملية قطع شرايين الحياة عن لبنان؟
لو لم تكن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي حكومة laquo;حزب اللهraquo; الايراني، لكان صدر عن رئيسها كلام مختلف يشير الى استيعاب لمعنى تهديد الخليجيين بشكل مباشر وذلك للمرة الاولى منذ الاستقلال. نعم، انّها المرّة الاولى منذ الاستقلال في العام 1943 التي يصدر فيها تهديد للخليجيين عن مواطنين لبنانيين معروفين يحميهم حزب معيّن معروف، من دون ان يكون هناك ردّ فعل حكومي.
هل يعقل ألا تكون لدى اي من اعضاء الحكومة فكرة عن كمية الضرر التي يمكن ان تلحق بلبنان واللبنانيين جراء الانضمام الى الحملة السورية- الايرانية على كلّ ما هو عربي في المنطقة؟
من الواضح ان هناك بين اعضاء الحكومة من يعرف تماما معنى صدور مثل هذه التهديدات. هناك من يعرف حتما ان الخليجيين لم يقصّروا يوما لا مع لبنان ولا مع اللبنانيين. هناك من نظّف الجنوب من الالغام الاسرائيلية واعاد فتح الطرق وهناك من ساعد في اعادة بناء قرى كاملة في الجنوب بعد الاعتداءات الاسرائيلية وهناك من دعم العملة اللبنانية وحال دون انهيار الاقتصاد. وفي كل وقت من الاوقات، هناك من يساعد لبنان اما بشكل مباشر او عن طريق عشرات آلاف اللبنانيين العاملين في دول الخليج.
لا حاجة الى اعادة سرد ما قدّمه وما يزال يقدّمه اهل الخليج للبنان. الحاجة حاليا الى استيقاظ الحكومة اللبنانية الى هذا الواقع وتصديها لمؤامرة حقيقية يتعرّض لها اللبنانيون. ام انّ الحكومة جزء من المؤامرة؟ هدف المؤامرة وضع اليد الايرانية على الوطن الصغير من جهة وتأكيد ان سقوط النظام السوري لا يعني زوال الوصاية الايرانية على لبنان من جهة اخرى. هذا كلّ ما في الامر. مطلوب ان يفهم اللبنانيون ان حكومة laquo;حزب اللهraquo; وجدت لتبقى وان على وزير الخارجية اللبناني، منذ وضعت ايران يدها على وزارة الخارجية، تلقي تعليماته من طهران في حال تعذّر عليه يوما تلقيها من دمشق.
تبدو القضية ابعد من تهديد الخليجيين والاتراك بكثير. هناك بكل بساطة دولة اسمها ايران تعتبر انها وظفت الكثير في لبنان وان البلد صار مستعمرة لديها بدليل امتلاكها لقرار السلم والحرب فيه.
اكثر من ذلك لدى هذه الدولة القدرة على اسقاط اي حكومة لبنانية وتشكيل الحكومة التي تشاء ما دامت تمتلك اكبر ميليشيا مسلحة في البلد وما دامت هذه الميليشيا تسيطر بالفعل على كلّ شارع من شوارع بيروت اضافة الى مطارها ومينائها، اي على السماء والمياه والارض!
هل بين اعضاء الحكومة من يتجرّأ على تجاهل هذا الواقع المتمثل في اعداد لبنان لمرحلة ما بعد سقوط النظام السوري وتعويد اللبنانيين على المرجعية الايرانية في غياب المرجعية السورية. عليهم ان يتعودوا، في هذا السياق، على غياب العلاقات الطبيعية مع دول الخليج العربي الذي تصرّ ايران على انه خليج فارسي. هذا ما هو معروض على لبنان في هذه المرحلة بالذات. مطلوب من اللبنانيين حتى ان يرفضوا استقبال اي لاجئ سوري على ارضهم. مطلوب من لبنان الاستسلام لقدره الايراني لا اكثر ولا اقلّ. مطلوب من رئيس مجلس الوزراء السنّي ان يتنكّر لعروبته ولبنانيته. ومطلوب من كلّ درزي ان يشكر ربّه يوميا لأنه لا يزال على ارضه. ومطلوب من اي مواطن او مسؤول مسيحي ان يمجّد صبحا ومساء حلف الاقليات في المنطقة متجاهلا ان مثل هذا النوع من الاحلاف، التي تسكن رؤوس ذوي العقول المريضة من نوع النائب المسيحي ميشال عون، انتاج اسرائيلي لا اكثر ولا اقلّ.