زكي شالوم

أعمال الثورة ضد نظام بشار الاسد بدأت في اذار 2011. في البداية كانت هذه أعمال محدودة في مناطق معينة بينما المدن المركزية في سوريا وصلت الى هذا الحد او ذاك حياتها المعتادة.
في الاشهر الاولى من الاحداث في سوريا بدا تردد شديد في الادارة في واشنطن بالنسبة لطريقة العمل الامريكية المرغوب فيها في هذه الازمة. ووجدت الادارة السبيل الى التملص من الحاجة الى الحسم من خلال الدعوة المتكررة الى الرئيس الاسد لاجراء اصلاحات ديمقراطية في بلاده.
عندما تبين بان الرئيس الاسد لا يستجيب لمطالبها، رفعت الادارة مستوى المطالب اللفظية. ففي 18 آب 2011 خرج الرئيس اوباما لاعلان يدعو الرئيس الاسد الى التخلي عن كرسيه 'من أجل الشعب السوري'.
بالتوازي عملت الادارة بكثافة في الساحة الدولية ولا سيما في مؤسسات الامم المتحدة، بهدف بلورة سبيل عمل دولي ضد نظام الاسد. كما اتخذت الادارة سلسلة خطوات اقتصادية ضد سوريا. وحسب انباء مختلفة تعمل الادارة الامريكية، على نحو شبه مؤكد بالتنسيق مع السعودية وتركيا، بهدف مساعدة الثوار ضد الاسد.
وحسب أحد الانباء، فان رجال الاستخبارات الامريكية يمكثون على الحدود السورية التركية ويساعدون الثوار بالمعلومات وبالارشاد وربما ايضا بتزويد السلاح.
في 4 تشرين الاول 2011 عقد مجلس الامن للبحث في المسألة السورية. ووضع أمامه مشروع قرار يشجب استخدام القوة ضد المواطنين السوريين وانتهاك حقوق الانسان. ودعا مشروع القرار الى تنفيذ خطوة سياسية في أجواء حرة من العنف تعطي تعبيرا حقيقيا عن التطلعات الشرعية للمواطنين السوريين.

وصوتت الصين وروسيا ضد المشروع. البرازيل، الهند، لبنان وجنوب افريقيا امتنعت. المشروع، مع أنه حظي بالعدد اللازم لتسعة اعضاء، سقط بسبب الفيتو الروسي ـ الصيني.
بعد بضعة اشهر من ذلك، في 4 ايلول 2012، انعقد المجلس مرة اخرى للبحث في الموضوع. ومرة اخرى، حسب المشروع الذي طرح عليه، دُعي الحكم السوري الى وقف العنف ضد المواطنين واخراج الجيش من المدن، رفع الحواجز والسماح للمظاهرات القانونية للمواطنين. كما طولبت سوريا بالسماح لممثلي الجامعة العربية بالدخول الحر الى الاراضي السورية، للوقوف على الحقيقة حول الوضع على الارض ومتابعة الاحداث. مشروع القرار هذا أيضا سقط بسبب معارضة الصين وروسيا.
على هذه الخلفية قرر الامين العام للامم المتحدة، بان كي مون، والامين العام للجامعة العربية، نبيل العربي، في 23 شباط 2012 تعيين الامين العام السابق للامم المتحدة، كوفي عنان، كمبعوث خاص الى سوريا. بعد بضعة اسابيع رفع عنان خطة تسوية الى الامين العام للامم المتحدة. في 5 نيسان 2012 دعا رئيس مجلس الامن الحكم السوري الى تبني الخطة. كما طولب الطرفان الحكومة وقوى المعارضة بوقف النار حتى 12 نيسان 2012. بالطبع، هذه الدعوة ايضا بقيت دون استجابة.


في 21 نيسان 2012 قرر مجلس الامن تشكيل قوة مراقبين في سوريا تضم 300 مراقب وتسمى UNSMIS لمدة 90 يوما. في منتصف حزيران 2012 أعلن قائد القوة عن تجميد نشاطها في ضوء العنف المتصاعد في سوريا. في 19 تموز 2012 دعي المجلس الى تهديد سوريا بفرض العقوبات اذا لم تستجب لطلب وقف العنف. وقد سقط مشروع القرار بسبب اعتراض روسيا والصين. في بداية آب 2012 أعلن عنان عن استقالته من المهمة. وبدلا منه عين الدبلوماسي الجزائري، الاخضر الابراهيمي. بعد أسابيع قليلة من ذلك توقف عمل قوة المراقبين.
وانطلقت في الادارة الامريكية اصوات تدعو الى التدخل الاكثر فاعلية من الولايات المتحدة في سوريا، بما في ذلك اتخاذ خطوات ذات طابع عسكري. وكان على جدول الاعمال اقتراحات لنشاطات تقيد قدرة عمل سلاح الجو السوري من خلال خلق سموات آمنة .
يوجد أساس للافتراض بان على الاقل حتى الانتخابات للرئاسة في بداية تشرين الثاني 2012 ستمتنع ادارة اوباما عن نشاطات ذات طابع عسكري في سوريا. الانطباع هو أن المستوى الحالي للحرب الاهلية في سوريا لا يعتبر في الادارة ذا خطر عال على المصالح الامريكية الحيوية. فسوريا هي دولة معادية للولايات المتحدة وضعفها، على خلفية الحرب الاهلية، هي مصلحة صرفة للولايات المتحدة. سوريا هي أيضا حليف مركزي لايران، وضعفها يؤدي الى ضعف محور الشر الايراني السوري. هذا ايضا تطور مريح جدا للولايات المتحدة. كما أن سوريا هي حليف قريب لروسيا والصين خصما الولايات المتحدة في الساحة الدولية. الواقع الحالي في سوريا محرج جدا ومقلق لروسيا والصين. من ناحية الولايات المتحدة هذه صورة وضع مرغوب فيها جدا.
كما ان لخصوم سوريا في المنطقة، الذين هم على اي حال حلفاء الولايات المتحدة ـ اسرائيل، لبنان، تركيا والاردن ـ توجد مصلحة جوهرية في ضعف سوريا. كل واحدة من هذه الدول ترى في سوريا جهة معادية تعرض مصالحها للخطر، في مستوى متغير من الكثافة.
الحرب الاهلية تمس شديد المساس بالاقتصاد السوري وبقوة الجيش السوري. وبالنسبة للدول المجاورة لسوريا هذا نتيجة مرغوب فيها. في الواقع القائم لا يبدو خطر حقيقي وفوري في أن تنتقل الحرب الاهلية داخل سوريا الى دول مجاورة. على هذه الخلفية، لا ترى الولايات المتحدة حاجة في هذه المرحلة الى تصعيد تدخلها في سوريا.
الانتخابات القريبة في الولايات المتحدة تشكل هي ايضا اضطرارا شديد المعنى على إدارة الرئيس اوباما. ناهيك عن أن احدا في الادارة لن يعترف بذلك، الانطباع القائم هو أن ادارة اوباما تعمل اليوم تحت صيغة 'صفر احتكاكات' على الاقل حتى الانتخابات. الهدوء النسبي اليوم، على خلفية اخراج القوات الامريكية من العراق والنية الى اخلاء القوات من افغانستان ايضا، يخدم الادارة جيدا ويحسن فرص الرئيس بنيل فترة ولاية ثانية. اما التدخل العسكري، وان كان بالحد الادنى، فمن شأنه أن يجر الولايات المتحدة الى صراع دموي يصعب توقع نتائجه. فيمكن أن تكون لذلك آثار خطيرة على الاقتصاد الامريكي وعلى نتائج الانتخابات.
وأخيرا، الادارة الامريكية على علم جيد بان الحرب الاهلية المضرجة بالدماء، التي تعربد في سوريا لا تعبر عن معركة بين 'الاخيار' و 'الاشرار'. فالطرفان يعملان بوحشية ودون اي قيم، وإن كانت الصورة الاعلامية جعلت الحكم السوري يظهر في جانب 'الاشرار' و الثوار في جانب 'الاخيار'.
الادارة الامريكية تخشى، وعن حق، من أعمال مذابح شديدة ينفذها الثوار في أثناء المعركة. وحتى لو لم تكن القوات الامريكية مشاركة فيها مباشرة، فانه من شبه المؤكد أنها ستتلوث بالمسؤولية عن الافعال. ويجدر بالذكر ايضا ان قوات الثوار ليسوا من كتلة واحدة والسيطرة عليهم صعبة. اذا انتصروا، ينبغي الافتراض بانهم سيسعون الى الانتقام من الطائفة العلوية بشكل شديد. هنا أيضا لا يمكن للولايات المتحدة أن تتملص من المسؤولية اذا ما صعدت الان أعمالها. كل هذه الاعتبارات رادعة، من شبه المؤكد، للادارة عن تصعيد نشاطها في سوريا.


نظرة عليا