عمار علي حسن
تضرب العلاقات المصرية - الخليجية جذوراً عميقة في التاريخ العربي المعاصر، غُرست في طبقاته القديمة التي تمتد إلى قرون غابرة، لتنتج مع مرور الزمن شبكة من المصالح الاقتصادية والتجارية، والأهداف السياسية والاستراتيجية، والروابط الاجتماعية، والتلاقح الثقافي.
وفي العقود التي خلت، وتحديداً منذ قيام ثورة يوليو 1952 وحتى ثورة يناير 2011 في مصر، لم تأخذ العلاقات بين الجانبين شكلاً خطياً، ولم تتوزع بنفس القدر والصيغة على دول الخليج العربية كافة، قبل قيام مجلس التعاون الخليجي في عام 1981 وبعده. بل إن هذه العلاقات تنوعت واختلفت في الدرجة والنوع، ودخلت منعرجات عدة، حسب مقتضيات المصالح المتبادلة، والدور المصري الإقليمي التقليدي، ثم التنافس الإقليمي بين مصر والمملكة العربية السعودية منذ أواخر الخمسينيات. وجاءت التغيرات التي شهدها النظام الدولي، بانقضاء الحرب الباردة ومعها القطبية الثنائية، لتضع بصمات قوية على العلاقات المصرية - الخليجية، خصوصاً أن القوة العالمية الكبرى حالياً، وهي الولايات المتحدة الأميركية، لها مصالح كبيرة، ومن ثم حضور كبير في منطقة الخليج العربي.
وتتبع التاريخ الحديث للعلاقات المصرية - الخليجية يبدأ مما جرى مطلع القرن التاسع، إذ ضم محمد علي الحجاز إلى مصر، ليتركز أغلبها فيما بعد في العلاقات الثقافية وتأثير النخبة الفكرية المصرية في شعوب الخليج، لتصعد إلى علاقات سياسية مع قيام جامعة الدول العربية في عام 1945، ثم قيام ثورة يوليو في مصر، ومدها روابط سياسية وإيديولوجية مع منطقة الخليج. وبعد ذلك، كان استقلال دول الخليج العربية عن الاحتلال البريطاني، وقيامها ببناء علاقات ثنائية مع مصر، والتقاء الطرفين بقوة تحت مظلة الجامعة العربية، ثم قيام مجلس التعاون الخليجي، وظهور شكل آخر من العلاقات بين الجانبين، والتي تطورت إلى الوقت الراهن، متأثرة بتغير السياقات الإقليمية والدولية، وبخاصة في ظل التداعيات المريرة التي ترتبت على حرب الخليج الثانية التي اندلعت في يناير 1991، ضد العراق تحت اسم quot;عاصفة الصحراءquot;.
وهذه الرحلة التاريخية، راكمت حلقات متشابكة من الروابط والمصالح بين مصر ودول الخليج العربية، وهو ما يحتم ضرورة تناول مختلـف مجالات التعاون بين الطرفين (سياسي/ اقتصادي/ عسكري وأمني/ اجتماعي وثقافي) وما في هذه الجوانب الكلية من تفاصيل، وبخاصة في الاقتصاد، الذي يشمل قضية العمالة والاستثمار والتجارة البينية والمساعدات. ومن ثم يتم الانطلاق من هذه المعطيات كافة إلى التنبؤ بالأفق المستقبلية لهذه العلاقات، عبر بناء مؤشرات تتكئ على جذور الماضي ومعطيات الحاضر، في سياق ما هو متوقع في الأفق المنظور من مستجدات إقليمية ودولية، ومن تحديات تواجه العالم العربي برمته.
وهناك حقب زمنية، تحدد الفواصل بينها نقلات تاريخية فارقة شهدتها مصر ودول الخليج العربي، فرادى أو مجتمعة، كل حقبة منها سيطر عليها تصور سياسي محدد، أو أن السلوك الخارجي المتبادل بين الطرفين أخذ شكلاً معيناً، يمثل عنواناً عريضاً لتلك الحقبة، الأمر الذي ينجلي في النقاط التالية:
1 - حقبة المركز القوي والمجال الحيوي: حيث الإرهاصات الأولى للعلاقات المصرية- الخليجية في الفترة التي سبقت قيام الدولة السعودية، حين كانت مصر دولة مركزية كبيرة في المنطقة، فيما كانت منطقة الخليج العربي تعيش مرحلة ما قبل الدولة. وتعود هذه المرحلة إلى حكم الطولونيين في مصر، والذين كانت لديهم نزعة استقلالية عن الخلافة العباسية، لتمتد إلى فترة حكم محمد علي الذي ضم الحجاز إلى مصر، ومنها إلى قيام الدولة السعودية في عام 1932.
2 ـ الانتقال من التبعية إلى أبواب الحرب العربية الباردة: ويتعلق الأمر هنا بتاريخ وأبعاد العلاقات المصرية - السعودية خلال المرحلة التي سبقت إتمام استقلال دول الخليج العربية، وتمتد من عام 1932 حتى عام 1970 الذي شهد رحيل الرئيس المصري جمال عبدالناصر، لتُطوى صفحة مفعمة بالتأثير المصري في الحركات السياسية والاجتماعية الخليجية وكفاحها ضد الاستعمار، على التوازي مع الشد والجذب بين القاهرة والرياض.
3- من الوفاق إلى القطيعة: وهذه الحقبة تغطي الفترة الممتدة من عام 1971 حتى عام 1990، التي شهدت تحولات فارقة في العلاقات بين مصر ودول الخليج، مع سيطرة الرئيس أنور السادات على دفة الحكم في مصر، وقيام دول خليجية أربع، هي الإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عُمان، ثم حرب أكتوبر 1973، ووصول التنسيق المصري - الخليجي إلى ذروته، ليبدأ بالتناقص مع اتجاه السادات إلى quot;الحل السلميquot; المنفرد مع إسرائيل، وينتهي بقطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر. وخلال هذه الفترة، قام مجلس التعاون لدول الخليج العربية في عام 1981، واندلعت قبل ذلك بعام الحرب العراقية- الإيرانية، ووصل مبارك إلى سدة الحكم في مصر، بادئاً توجهاً جديداً في علاقات مصر العربية، وهو ما انعكس على علاقاتها مع دول الخليج.
4 - زمن الاعتماد المتبادل: ويمتد من الغزو العراقي للكويت إلى الوقت الراهن، مروراً بحربـي الخليج الثانية والثالثة، واحتلال العراق وانتهاء بالثورة المصرية التي اندلعت في 25 يناير 2011 ولا تزال فصولها جارية.
وعقب الثورة المصرية، وفي ظل التغيرات التي تطرأ على الساحة العربية، والتهديدات الأمنية الإقليمية يجب أن يعلو رهان الحفاظ على الكتلة العربية الحية، وإعادة تقييم وتقويم العلاقات المصرية - الخليجية بناءً على افتراض مفاده أن بوسع الطرفين، أن يوقفا أو يجهضا المشروعات الإقليمية الرامية إلى الإجهاز على quot;النظام الإقليمي العربيquot;، مثل مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي لا يزال مطروحاً، وإن توارى الكلام عنه مؤقتاً في الدوائر الغربية، ومواجهة الفتنة المذهبية التي لن يستفيد منها سوى أعداء العرب والمسلمين.
التعليقات