إبراهيم غرايبة
الانتخابات النيابية الأردنية المتوقع إجراؤها في 23 من كانون الثاني (يناير) الجاري تبدو عادية غير مختلفة عن الانتخابات السابقة، لم يصلها الربيع العربي بعد، أو أن الربيع نفسه لم يكن سوى انتفاضة سياسية وليست اجتماعية... فالانتخابات كما تؤشر قوائم المرشحين إلى وصول قيادات ومجموعات سياسية واجتماعية جديدة؛ أظهرها الحراك الإصلاحي النشط منذ سنتين، أو كانت تعاني من الإقصاء والتهميش، ولا يبدو ثمة أفكار وبرامج إصلاحية جديدة يقدمها المرشحون أو يتنافسون حولها، وربما تعيد إنتاج المجلسين السابقين اللذين جرى حلهما قبل أن يكملا مدتهما المفترضة، فالمرشحون يغلب عليهم نواب سابقون أو آخرون لا يبدو أنهم في حال وصولهم إلى البرلمان سيغيرون شيئاً، أو أن مجيئهم يعبر عن تحولات إصلاحية وبرامج وأفكار جديدة، حتى فكرة الحكومة البرلمانية المتوقع تطبيقها لا تبدو إضافة نوعية جديدة في ظل غياب كتل برلمانية حقيقية ومتماسكة ذات محتوى سياسي واجتماعي، ويجب أن يقال إن مقاطعة الإسلاميين والمعارضات الأخرى لم تكن لتضيف إلى الانتخابات شيئاً جديداً لو أنها شاركت!
ترد المعارضات الإسلامية والسياسية الأخــــــرى أزمة الانتخابات القائمة إلى أن قانون الانتخاب المنظم للعملية الانتخابية لا يصلح لحياة سياسية ديموقراطية ولا يساعد على تشكيل حكومات برلمانية، ولكنهـــــا مقولات على رغم صحتها تغفل غيــــاب المجتمعات وضعفها، وتتناسى أن قوة الأحزاب السياسية مستمدة من قــــــواعد وكيانات اجتماعية أكثر من القوانين والتشريعات، وأن أفضل القوانين لا تصنع وحدها انتخابات ديموقراطية وعادلة!
ذلك أن الانتخابات العــــامة تعبر (يجب أن تعبر) عن عمليات سياسية واجتماعية تقوم عليها قواعد شعبية ومجتمعات وتشكلات وقيادات سياسية واجتماعية، ويؤشر إليها بصعود الطبقات القيادية المعبرة عــــن التنافس والحراك والمطالب وخروجها، والسؤال هنا بطبيعة الحال عندما ننظر في الانتخــــابات النيابية الجارية اليوم في الأردن (وعندما نقوّم كل انتخابات أخرى تجرى): ما القــــيادات السياسية والاجتماعية التي تتشكل وكيــــف تشكلت، أو هل ثمة قيادات ونخب تتشكـــل؟ لقد جرى على نحو واعٍ أحياناً وغير واعٍ أحياناً أخرى وبحسن نية أحياناً تعطيل للديناميكيات والقواعد التي تنشئ قيادات سياسية واجتماعية ومهنية، ولم تعد الدولة والمجتمعات قادرة على تقديم قيادات متجددة، ولا تملك نخباً دوارة، وأغلقت النخبة على مجموعة من الأقارب والشركاء والأتباع، وبطبيعة الحال أصابها ما يصيب أي مجتمع مغلق، الإعاقات والعاهات الدائمة والفشل والفساد، ثم الانقراض.
تضمنت عمليات التحديث والتنمية تهميشاً للمجتمعات، ولم تأخذ الدولة بحسبانها مسؤولية المجتمعات ومشاركتها في بناء المشاريع والمؤسسات التعليمية والصحية والاجتماعية وتصميمها، والمرافق والخدمات الأساسية، مثل المياه والطاقة والاتصالات، واستولت على المؤسسات الثقافية والدينية، ثم وفي مرحلة الخصخصة التي تخلت فيها الدولة عن تقديم الخدمات والسلع تحولت المجتمعات إلى كيانـــــــات ضعيفة ومكشوفة، ولأن عمليات الخــصخصــــة نفسها لم تكن عادلة أو يؤخذ في إدارتها عامل الاقتصاد الاجتماعي فقد حـــــرمت المجتمعات من المشاركة في امتلاك المـــشروعـــات والمـــؤسســات المخصخصة.
لم تعد المجتمعات قادرة على المشاركة والتأثير، ولا تملك مصالح وآفاقاً لحياتها تسيطر عليها وتسعى لتحسينها وتطويرها، ومن ثم فهي لا تملك من أمرها شيئاً، وليس لديها فرصة سوى الضغط والمطالبة، المطالبة بكل شيء، من دون تمييز بين ما يجب أن تقدمه لنفسها وما يجب أن تقدمه الدولة، ومن دون إدراك واضح لعلاقاتها الجديدة مع الشركات التي توفر الخدمات الأساسية وتحتكرها، والتي امتدت لتصل إلى التعليم والصحة.
ربما ستكون الانتخابات النيابية في الأردن صحيحة؛ تخلو من التزوير والتدخل الحكومي، ولكنها في عدالتها ستعكس حال المجتمعات التي تتطلع بلهفة إلى التغيير ولا تملك النخبة التي تعير عن هذه التطلعات... وستكرس laquo;الديموقراطيةraquo; الحال غير الديموقراطية، ولا نلوم سوى أنفسنا!
التعليقات