إلياس سحاب
يعود إطلاق مصطلح ldquo;ربيعrdquo; على أي تحول سياسي مهم إلى عصر الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي . وكان الغرب الرأسمالي في هذه الحالة يراقب أي تحرك سياسي داخل أي جولة من دول المعسكر الاشتراكي السابق، مثل أحداث المجر في الخمسينيات واحداث تشيكوسلوفاكيا السابقة، فيعتبر أن هذا التحرك هو دليل انتصار لدول النموذج الرأسمالي على دول النموذج الاشتراكي، في حالتي نجاح محاولة التحول أو قمعها .
لذلك لم يكن غريباً أن يسارع الغرب، حتى بعد أفول عصر الحرب الباردة بينه وبين موسكو، إلى استعادة التسمية القديمة وإعادة إطلاقها على التحركات السياسية ضد أنظمة الاستبداد العربي، بادئ ذي بدء في تونس ثم مصر ثم اليمن، ثم تُصمَّم التسمية نفسها ldquo;الربيع العربيrdquo; على الصراع الدائر داخل سورية وحولها .
غير أن معظم هذه التحولات أو كلها، بما أدت إليه من عدم استقرار تبع عملية التخلص من الأنظمة السابقة، وبروز تيار الإسلام السياسي في أكثر من موقع من هذه المواقع العربية، أثبت أنه من غير الحكمة المسارعة إلى استعارة هذا الاصطلاح من عصر الحرب الباردة السابقة، وإطلاقه وتعميمه على التحولات التي جرت وتجري في العالم العربي، في السنتين الأخيرتين .
ذلك أنه في هذا التحرك العربي الأخير عناصر ثابتة، أكدت نفسها بوضوح تام، وعناصر غير ثابتة، ستظل في رأيي محل صراع جديد، إلى أمد قد يمتد سنوات عديدة .
العناصر الثابتة هي التي تعود إلى التحولات الاجتماعية . فالذي لم يعد يحتمل أي شك هو أن الركود الطويل الذي فرضته الأنظمة العربية على مجتمعاتها بالذات في العقود الثلاثة الأخيرة، قد حجب حراكاً اجتماعياً كامناً، هو الذي انفجر في السنتين الأخيرتين . لكن هذا الحراك الاجتماعي دفع إلى السطح كل تناقضات المجتمعات العربية التي حملتها في العصور الحديثة، بعد أن خاضت محاولات عديدة لدخول العصر الحديث، أثبتت جميعها، الناضج منها والفاشل، أنها تحولات مفتوحة وليست نهائية بعد .
إن الصراع الدائر في مصر مثلاً بين تيار الإسلام السياسي من جهة، وتيار الدولة المدنية الحديثة، من جهة ثانية، هو امتداد لعناصر كامنة في التحولات الاجتماعية والسياسية العربية، التي شهدتها تحولات القرنين الأخيرين .
إن تباشير ربيع اجتماعي عربي قد أعلنت عن نفسها، بتقدم المبادرات الشعبية الصفوف في هذه المحاولات، لكن يبدو أن تعقيدات هذه التحوّلات والتضارب بين بعض عناصرها، سيؤخر عملية التطابق الزمني بين الربيع الاجتماعي الذي أطل بوجه صريح في هذه التحركات، والربيع السياسي، الذي لن يأتي قبل أن تحسم المجتمعات العربية، وفي طليعتها تلك التي تململت وتحركت في السنتين الأخيرتين، أكثر من مسألة من مسائل التحول التي حملتها على ظهرها في القرنين الأخيرين .
إن التطابق بين الربيع العربي الاجتماعي الذي انطلق فعلاً، والربيع السياسي الذي سيتأخر على ما يبدو سنوات عديدة، لن يتم إلا بعد أن تستوعب المجتمعات العربية كل المستلزمات السياسية لدخول العصر الحديث دخولاً شرعياً وحقيقياً لا لبس فيه .
وكلما طالت فترة اختراع تناقض وهمي بين ما هو ديني وما هو مدني، طالت فترة دخول العرب العصر الحديث اجتماعياً وسياسياً بالدرجة نفسها .
إنه الربيع الاجتماعي العربي الذي أعلن عن بداياته الأولى، والذي سينتظر على ما يبدو سنوات غير قصيرة، لتتم ترجمته بربيع سياسي حقيقي، لا بد من قدومه مهما طال الانتظار، لأن بعض الشعوب العربية قد نجحت في الدرس الأول للإمساك بمصيرها السياسي إمساكاً مباشراً .
التعليقات