أنتوني جورجي

في أي الاتجاهات تمضي ولاية باراك أوباما الثانية؟

لقد وعد السيناتور الإفريقي الأصل شعبه بالتجرؤ على الأمل عشية ولايته الأولى، غير أنه يبدأ الثانية والقليل جداً من تلك الوعود هو الذي تحقق، في حين بقيت الآمال العريضة للحلم الأمريكي في مهب الريح .

قبل أربع سنوات كان الأمريكيون يسعون إلى ملامسة الحلم الذي يعود بهم ومن جديد إلى فكر الآباء المؤسسين، بعد ثماني سنوات عجاف لجورج بوش الابن، غير أن الحلم يتبخر عندما يكتشف المرء أن أوباما ليس إلا بوش لكن بقناع القوة الناعمة، والدهاء والبراغماتية السياسية، وهما أمران لم يكن لبوش الابن دالة عليهما .

يصعب على المرء أن يحيط سنوات أوباما الأربع الماضية بالنقد والتحليل، غير أن قراءة سريعة استشرافية لولاية أوباما الثانية لا بد أن تتوقف أمام خمسة مشاهد أولية، تعد الركائز الرئيسة التي سينطلق منها قطار الولاية الثانية . ماذا عن تلك المنطلقات؟

أوباما ومواجهة الأزمة المالية

في أوائل التسعينات أطلق الرئيس بيل كلينتون شعار ldquo;إنه الاقتصاد يا غبيrdquo;، ويبدو أن الحلم والأمل الأمريكيين اللذين بشّر بهما أوباما كان في القلب منها الاقتصاد، غير أن الأزمة المالية العالمية التي كانت السياسات الاقتصادية والمصرفية الأمريكية السبب الرئيس فيها ظاهرة التوريق البنكية خاصة كانت رابضة لسنوات أوباما الأربع، ولهذا يستهل أوباما ولايته الجديدة والاقتصاد الأمريكي ldquo;على حافة الهاويةrdquo; بحسب وصف مجلة ldquo;الإيكونوميستrdquo; البريطانية ذائعة الصيت، ذلك أنه رغم الاتفاق الذي أبرم بين الديمقراطيين والجمهوريين قبل نهاية العام المنصرم 2012 بساعات قليلة نجد أوباما يحذر من جديد من أزمة مالية كارثية على الولايات المتحدة الأمريكية بسبب إشكالية سقف الدين، لاسيما إذا توقفت واشنطن عن دفع ما عليها من التزامات مالية للعالمين الخارجي والداخلي .

يبدأ أوباما ولايته الثانية في أوضاع اقتصادية مزرية بالفعل، فلأجل تخفيض العجز في الموازنة الأمريكية الذي وصل إلى مستويات عالية فلا بد من فرض ضرائب جديدة وتخفيض الإنفاق العام، والمستهدف أن توفر تلك الإجراءات نحو 600 مليار دولار، وعليه فإن كبرى الشركات الأمريكية العملاقة سوف تكون أمام نهاية العصر الذهبي للإعفاءات الضريبية .

أما عن ديون الولايات المتحدة الأمريكية فقد وصلت إلى 4 .16 تريليون دولار، وهو ما يشكل خطراً محدقاً بمكانة الولايات المتحدة على سلم الاقتصاد العالمي، ما سيسمح للصين بالدخول والمنافسة على قمة الاقتصاد العالمي، علما أن ديون الولايات المتحدة لمصلحة الصين بلغت 3 تريليونات دولار .

في التاسع والعشرين من يناير/كانون الثاني يتعين على أوباما أن يلقي الخطاب السنوي المعتاد لحالة الاتحاد، وعليه أن يقدم ldquo;صفقة اقتصادية جديدةrdquo; للأمريكيين عبر الأرقام والحسابات، لا من خلال التعبيرات المجازية التي تدغدغ المشاعر وتترك البطون خاوية والجيوب الأمريكية خالية .

الولاية الثانية هل من رؤية سياسية؟

بين يدي الولاية الثانية يتساءل المراقب المدقق والمحقق للشأن الأمريكي ما هي خطوط طول وعرض السياسات الأمريكية في السنوات الأربع المقبلة؟

حكماً هناك اتجاهان يمثلان ضرورة للسياسة الأمريكية، الأول حتمية التوجه شرقاً نحو الباسفيك، وقطع الطريق على النمو القطبي المشترك لروسيا والصين، والاتجاه الثاني يتعلق بذاك الذي يجري في الشرق الأوسط والعالم العربي من تغيرات .

فإذا تركنا للاتجاه الثاني قراءة مفصلة لاحقاً يبقى السؤال ماذا عن التسارع الأمريكي الآسيوي في سنوات أوباما الأربع المقبلة؟ تسعى السياسات الأمريكية ولا شك إلى تعزيز الوجود الأمريكي في منطقة المحيط الهادي، ولهذا تعقد الشراكات الاستراتيجية مع أستراليا، وتعطي أهمية كبرى لجزيرة ldquo;غوامrdquo; أكبر حاملة طائرات ثابتة على الأرض لخدمة اللوجيستيات الأمريكية، وقد بدت الرؤية الأمريكية نحو شرق آسيا منذ نهاية تسعينات القرن المنصرم، واعتبر ساسة أمريكا ومفكروها الاستراتيجيون أن مستقبل الجغرافيا السياسية للقرن الحادي والعشرين سوف يتقرر في آسيا، وليس في أفغانستان أو العراق، وأنه يجب أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية في قلب الحدث . . لماذا آسيا هي رهان سياسة أوباما الخارجية في ولايته الثانية ورهان عدد تالٍ من رؤساء أمريكا له؟

الجواب عند وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون في مجلة الrdquo;الفورين بوليسيrdquo; الأمريكية عدد نوفمبر/ تشرين الثاني ،2011 وفيه أن منطقة آسيا والمحيط الهادي أصبحت محركاً أساسياً للسياسة العالمية .

والمنطقة تمتد من شبه القارة الهندية إلى شواطئ الأمريكيتين الغربية وتضم محيطين المحيط الهادئ والمحيط الهندي ويتعزز الترابط بينهما أكثر فأكثر من خلال الشحن والاستراتيجية .

في هذه المنطقة يعيش نحو نصف سكان العالم . وتضم عدداً كبيراً من المحركات الأساسية للاقتصاد العالمي، وكذلك البلدان التي تتصدر قائمة الدول المسببة لانبعاثات الغازات الدفيئة، وفيها أيضاً العديد من حلفاء أمريكا الأساسيين والقوى الناشئة المهمة مثل الصين والهند وإندونيسيا .

ومما لاشك فيه أن الحديث عن خطوط السياسات الأمريكية الممتدة ما بين واشنطن وموسكو من جهة وبين بكين وواشنطن من ناحية أخرى، يحتاج إلى قراءات معمقة، غير أنه باختصار غير مخل يمكننا القطع بأن ولاية أوباما الثانية ستشهد تجاذبات حاسمة لجهة قضايا خلافية مثل الدفع الصاروخي، وحوائطه في أوروبا الشرقية، ومثل تعميق علاقات واشنطن مع الجمهوريات الأوروآسيوية، عطفا على إشكالية الردع النقدي وليس النووي الصينية، وجميعها تمثل عبئاً على كاهل أوباما الذي بدأ ومنذ انسحاب القوات الأمريكية من العراق، وبعد وضع خطة لانسحاب الأمريكيين من أفغانستان متابعة توجه سياساته نحو آسيا والمحيط الهادئ، الأمر الذي تجلى في الرحلات التي قام بها بعد أيام من انتخابه، حيث ارتحل شرقاً إلى بورما وكمبوديا وتايلاند ولم يذهب إلى الشرق الأوسط على سبيل المثال .

الشرق الأوسط والسياسات الأمريكية

عدة ملفات في واقع الحال تمثل محددات رئيسة لسياسات أوباما في الشرق الأوسط في ولايته الجديدة والثانية، لعل في مقدمتها آلية التعاطي مع دول الربيع العربي أو الصحوات العربية، حيث حالة من الضبابية تسود المشهد الأمريكي لجهة الأنظمة ذات المسحة الإسلامية التي تسيدت المشهد في تلك البلدان، لاسيما في تونس وليبيا ومصر، وعلامة الاستفهام: هل لدى أوباما رؤية متكاملة واستراتيجية موحدة للتعاطي مع تلك الأنظمة بالمعايير الأمريكية التقليدية من ديمقراطية حقوق إنسان وأقليات، أو أن السياسات الواقعية والصفقات البراغماتية السياسية مع تيارات الإسلام السياسي ما ظهر منها وما بطن لها اليد العليا على السياسات المثالية والنماذج اليوتوبية؟

المقطوع به أن الملف المتقدم على أهميته يأتي تالياً لأحد أخطر الملفات المفتوحة في الشرق الأوسط، ونعني به الملف السوري وما تنتوي إدارة أوباما فعله بشأنه: ldquo;هل يرون حتمية ذهاب وإسقاط نظام بشار الأسد؟ وإذا كانوا سيذهبون في هذا الاتجاه فكيف لهم ببلورة توافق مشترك مع الروس الذين يرون في مياه سوريا الدافئة على البحر الأبيض المتوسط موطئ القدم الوحيد الذي حقق لهم الحلم منذ زمن بطرس الأكبر وكاترين العظيمة؟ ثم الأهم، ماذا عن النظام الجديد، لاسيما بعد أن تراجعت دوائر أمريكية عديدة استخبارية وسياسية عن فكرة دعم الجيش الحر، انطلاقاً من كونه وجهاً آخر للإسلام السياسي العتيق، وخوفاً من أن يكون بؤرة جديدة من بؤر تجمع القاعدة؟

كما أنه لا يخفى على أحد أن واشنطن تتطلع في إزاحتها للأسد شريطة البديل المضمون والآمن فرض هزيمة استراتيجية على إيران وفصل محور المقاومة الذي يربط طهران ودمشق وحزب الله في بيروت ومنع أقلمة الصراع السوري . . . هل لأوباما أن يبلور طرحاً سياسياً بشأن سوريا بمعزل عن المواجهة الحتمية مع إيران سلماً أو حرباً في السنوات الأربع المقبلة؟

الثابت أن إدارة أوباما الجديدة تجد ذاتها أمام ملف لا بد من البت فيه، لاسيما أن تلك السنوات كفيلة بأن تتجاوز إيران فيها الخط الأحمر الذي تحدث عنه بشكل خاصة نتنياهو من على منصة الجمعية العمومية للأمم المتحدة، من أجل الوصول إلى السلاح النووي، وعليه فإن أوباما مطالب بتحديد حاسم وحازم لملامح استراتيجية بالنسبة إلى إيران، فإما دبلوماسية تفاوضية تقود إلى اتفاق بضمانات أممية، وإما استخدام البديل العسكري مع ما لذلك الخيار من تبعات وخيمة وبين هذه وتلك يتساءل البعض ما هو مستقبل الملكيات العربية في الشرق الأوسط؟ وهل سيستمر الدعم الأمريكي لها، أو ستترك في مهب الريح لقوى التغيير أو الأسلمة وإن كان الواضح حتى الساعة أن إدارة أوباما لديها ما يكفيها من صداع التغيير في الجمهوريات .

في العلاقات ldquo;الإسرائيليةrdquo; الأمريكية

كيف تمضي السياسات الأمريكية لجهة ldquo;إسرائيلrdquo; في سنوات أوباما المقبلة؟

الجواب يلقي بظلاله على الماضي بادئ ذي بدئ، وتحديداً مع بدايات الولاية الأولى، ولحظات التجلي والإشراق الأوبامية إن جاز القول التي بدأ عليها أوباما في جامعة القاهرة، عندما تحدث عن الحق الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة تعيش في أمن وأمان، ومع تعيين جورج ميتشيل مبعوثاً خاصاً للشرق الأوسط، اعتبرت أوساط سياسية أمريكية وشرق أوسطية أن الحل ربما يكون قريباً، ذلك أن واشنطن لديها من أدوات الضغوط ما هو كافٍ لتطويع الإرادة ldquo;الإسرائيليةrdquo; أنى شاءت وكيفما أرادت .

غير أن ولاية أوباما الأولى تنقضي من دون أي نجاحات على الأرض بل على العكس، يمضي وحش الاستيطان ليلتهم المزيد من الأراضي الفلسطينية، ليصبح حلم إقامة الدولة الفلسطينية أثراً بعد عين . . هل سيتغير المشهد كثيراً في الولاية الرئاسية الجديدة؟ لعل المتابع لمقالات عراب العولمة الأمريكية الأشهر ldquo;توماس فريدمانrdquo;، الوثيق واللصيق الصلة بالدوائر السياسية الأمريكية المتقدمة، عبر صحيفة الrdquo;نيويورك تايمزrdquo;، يدرك جيداً كيف أن واشنطن لا نية لديها في زمن أوباما الثاني للخوض في معترك الإشكالية السيزيفية الأشهر في القرن العشرين المعروفة بالصراع العربي - ldquo;الإسرائيليrdquo;، وقد قالها صريحة غير مريحة ldquo;اذهبوا وحلوا مشكلاتهم بأنفسكمrdquo;، وهو تصريح يمكن تفهمه عقلاً لا عدلاً في ضوء الإرث السيئ الذي يتسلمه أوباما من ولايته الأولى .

في هذا السياق يعنّ لنا أن نتساءل هل ldquo;إسرائيلrdquo; راضية عن أوباما وسياساته عشية ولايته الثانية ونجاحه، ولا سيما أن الرجل لم يعمد إلى إخضاعها لضغوط سياسية أو هددها بقطع المعونات الاقتصادية؟

الذي لا شك فيه هو أن أوباما قدم خدمات جليلة لrdquo;إسرائيلrdquo;، وزودها بأسلحة امتنعت الإدارات السابقة عن تزويدها بها، وكفل لها عبر قوانين أمريكية استنت خصيصاً دعماً ووضعاً متميزاً بين الحلفاء، ومع ذلك فإن العلاقات بين يدي الساعة ما بين نتنياهو وأوباما في أسوأ مشهد، بل إن نتنياهو يرى أن إدارة أوباما تسعى سعياً حثيثاً إلى إسقاطه في الانتخابات في 22 من شهر يناير/كانون الثاني الجاري .

وعطفاً على ذلك فقد جاءت تعيينات باراك أوباما لإدارته الجديدة لتدق مسماراً جديداً في جسد العلاقات الأمريكية ldquo;الإسرائيليةrdquo; المهترئ، عبر اختيار ldquo;تشاك هاغلrdquo; وزيراً للدفاع، وقد اعتبره البعض في واشنطن مثل السيناتور الجمهوري البارز ldquo;ليندس غراهامrdquo; وزير الدفاع الأمريكي الذي سيكون الأكثر عداوة لrdquo;إسرائيلrdquo; في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، أما السبب الرئيس وراء هذه الفوبيا فلأن هاغل تحدث من قبل عن ضرورة الحديث مع أعداء أمريكا مثل إيران وسوريا، وكذلك نصح ldquo;إسرائيلrdquo; بأن تستمع إلى حماس، عطفاً على مواقفه المحايدة سابقاً بالنسبة إلى ملف الصراع العربي ldquo;الإسرائيليrdquo; بشكل عام .

الولاية الثانية حرب أم سلام؟

هل سنرى في ولاية أوباما (2012 - 2016) عسكرة جديدة للعالم وإن بأدوات مغايرة لتلك التي درج على استخدامها أسلافه من أيزنهاور إلى بوش الابن؟

الحقيقة المؤكدة أنه على الصعيد العسكري لم يحدث تراجع في القدرة العسكرية النسبية الأمريكية، كما أن القوات البحرية والبرية والجوية الأمريكية مجهزة بأكثر الأسلحة تطوراً .

ومنذ بضعة شهور تحدث ثعلب السياسة الأمريكية هنري كيسنجر عن استعدادات أمريكية خاصة لخوض حرب عالمية أو شبه عالمية وبأسلحة جديدة لأول مرة .

هذا الحديث أشار إليه قبل عدة سنوات زبغينو بريجنسكي مستشار أمريكا للأمن القومي سابقاً، مؤكداً أن لدى واشنطن أسلحة لا يعلم أحد عنها الكثير أو القليل . . هل هي حرب أو حروب أوباما الخفية المقبلة؟

قطعاً إن الاستراتيجية العسكرية الأمريكية لا تتغير بتغير الرئيس، بل تطوع الرؤساء لخدمة مصالحها، ومن يتصور أنه قادر على تجاوزها يلقى ما لقيه جون كيندي .

في هذا السياق يبقى أوباما رجل الحروب السرية وصاحب الضربات الخفية والهجمات التحتية دون طنطنة أو دندنة . . هل هو ماض قدماً في هذا السياق؟

يبدو أن ذلك كذلك، والدليل الأول على صدق هذا الحديث هو تعيينه ldquo;جون برينانrdquo; مديراً للاستخبارات المركزية الأمريكية، وهو الذي شغل من قبل منصب ldquo;قيصر مكافحة الإرهابrdquo;، والرئيس المشرف على برنامج الطائرات من دون طيار التي وجهت ضربات ولا تزال قاتلة لمن ترى واشنطن أنهم أعداؤها في اليمن، والصومال، وفي باكستان وأفغانستان، وعليه يتساءل المراقبون هل سنعود إلى زمن المكارثية الدولية عبر تحويل الاستخبارات المركزية الأمريكية إلى ذراع عسكرية للاغتيالات وإطلاق حروب سرية أمريكية حول العالم؟

أما الدليل الثاني عن عسكرة العالم فمتعلق بافتتاح المؤسسة العسكرية الأمريكية في عهد أوباما (2013) أكبر مجمع للتجسس على العالم في ولاية يوتا الأمريكية، عطفاً على إنشاء أجهزة استخبارات خاصة بوزارة الدفاع تجوب العالم، وهو ما كان محظوراً من قبل مثل وكالة ldquo;دياrdquo; وهذا حديث قائم بذاته .